لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَلَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ ثُمَّ مَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. وَفَائِدَتُهُ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ.
جُنَاحٌ؟ قَالَ ﵊: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ. وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» وَفِيهِ مَا عَنْ «أَبِي الدَّرْدَاءِ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ. حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» فَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ. وَثَمَّ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامٌ فِي امْسَفَرِ» وَهَذِهِ لُغَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَ مَكَانَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْأَلِفَ وَالْمِيمَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّمِيمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ: حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَتَابَعَهُ يُونُسُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا كَانَ خُرُوجُهُ ﵊ حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِهِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «خَرَجَ ﵊ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَكَذَا قَالَ: يَعْنِي الْبَزَّارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ غَيْرُ الْبَزَّارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ الْقُرَشِيِّ. يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَهَذَا مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَائِلُونَ بِمَنْعِ الصَّوْمِ لَا غَيْرُهُمْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ آخِرَ الْأَمْرِ. فَالْحَاصِلُ التَّعَارُضُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَالْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا وَاعْتِبَارِ نَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ قَاطِعَةٍ فِيهِ. وَالْجَمْعُ بِمَا قُلْنَا مِنْ حَمْلِ مَا وَرَدَ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ إلَى الْعِصْيَانِ وَعَدَمِ الْبِرِّ وَفِطْرِهِ بِالْكَدِيدِ عَلَى عُرُوضِ الْمَشَقَّةِ خُصُوصًا. وَقَدْ وَرَدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ وُقُوعِهَا فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ خُصُوصًا وَأَحَادِيثُ الْجَوَازِ أَقْوَى ثُبُوتًا وَاسْتِقَامَةَ مَجِيءٍ وَأَوْفَقُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ فَعَلَّلَ التَّأْخِيرَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ بِإِرَادَةِ الْيُسْرِ، وَالْيُسْرُ أَيْضًا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْفِطْرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْيُسْرُ فِي الصَّوْمِ إذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَضِرٍّ بِهِ لِمُوَافَقَةِ النَّاسِ. فَإِنَّ فِي الِائْتِسَاءِ تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَوَطَّنَتْ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ مَا لَمْ تَتَوَطَّنْ عَلَى غَيْرِهِ فَالصَّوْمُ فِيهِ أَيْسَرُ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ لَيْسَ مَعْنَاهُ يَتَعَيَّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute