(وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يُطِيقُونَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ
أَنَّهُ الْوَلَدُ فِي الْفَرْعِ. قُلْنَا الْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ بِشَرْعِ الْفِدْيَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ لَا مُمَاثَلَةَ تُعْقَلُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ، وَالْإِلْحَاقُ دَلَالَةً مُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِالْعُمُومَاتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، وَالطِّفْلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى أُمِّهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهَا شَرْعًا إلَى خَلَفٍ غَيْرُ الصَّوْمِ، بَلْ أُجِيزَ لَهَا التَّأْخِيرُ فَقَطْ رَحْمَةً عَلَى الْوَلَدِ إلَى خَلَفٍ هُوَ الصَّوْمُ، بِخِلَافِ الشَّيْخِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بَلْ أُقِيمَتْ الْفِدْيَةُ مَقَامَ الصِّيَامِ فِي حَقِّهِ. وَحَاصِلُ الدَّفْعِ فِيهِمَا أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عِوَضًا عَنْ الصَّوْمِ لِسُقُوطِهِ بِهَا وَلَا سُقُوطَ فِي الْحَامِلِ.
(قَوْلُهُ وَيُطْعِمُ إلَخْ) وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ﵀ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ، فَكَانَ كَالْمَرِيضِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ، وَالْمُسَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ الْآيَةَ.
كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ فَعَلَ، حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا. وَلَنَا مَا رَوَى عَطَاءُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵁ يَقْرَأُ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: " لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ " لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ " مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَجَعْلُهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمَاعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute