فَصَارَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀، وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ. هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدُيُونِ الْعِبَادِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ مَالِيٌّ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ. وَلَنَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاخْتِيَارِ. وَذَلِكَ فِي الْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ لِأَنَّهَا جَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً حَتَّى
الْإِيَاسِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ الَّتِي فُرِضَ عَوْدُهُ فِيهَا، حَتَّى تُسْتَأْنَفَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ لَا فِي الْأَنْكِحَةِ الْمُبَاشَرَةِ حَالَ ذَلِكَ الِانْقِطَاعِ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ الْحُكْمِ، وَمُقْتَضَاهُ كَوْنُ الْخَلْفِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ
(قَوْلُهُ وَصَارَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي) إلْحَاقًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ. وَجْهُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ يُجْزِي عَنْهُ الْإِطْعَامُ عَلِمَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ عَجْزُهُ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الَّذِي كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَارِدًا فِي الْمَرِيضِ الَّذِي هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، لَا فَرْقَ إلَّا بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَسْبِقْ حَالَ جَوَازِ الْإِطْعَامِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي إلَّا بِقَدْرِ مَا يَثْبُتُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ، وَالْمَرِيضُ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ بِإِدْرَاكِ الْعِدَّةِ وَعَجْزُهُ الْآنَ بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى الْقَضَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى التَّرَاخِي لَا يَكُونُ بِذَلِكَ التَّأْخِيرِ جَانِيًا فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ فِي إيجَابِ افْتِرَاقِ الْحُكْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا فِي الْأُصُولِ الْإِلْحَاقَ بِالشَّيْخِ الْفَانِي بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا مَنَعُوهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ شَرْطَهُ ظُهُورُ الْمُؤَثِّرِ وَأَثَرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، فَإِنَّ ظُهُورَ الْمُؤَثِّرِ فِيهِ وَهُوَ الْعَجْزُ إنَّمَا يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الصَّوْمِ. وَهُنَا مَقَامٌ آخَرُ وَهُوَ وُجُودُ الْفِدْيَةِ وَلَا يُعْقَلُ الْعَجْزُ مُؤَثِّرًا فِي إيجَابِهَا، لَكِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصَةِ، وَكَوْنُ الْعَجْزِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ نَصٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ عِنْدَنَا بَلْ بِالْإِشَارَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ عِنْدَنَا) أَيْ فِي لُزُومِ الْإِطْعَامِ عَلَى الْوَارِثِ (خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّ ﵀ وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ) أَيْ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْعُشْرَ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهُمَا إذَا كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ دَيْنُهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ، فَإِنْ أَخْرَجَ كَانَ مُتَطَوِّعًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ إجْزَائِهِ.
وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ: يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْإِطْعَامِ عَنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ بِلَا إيصَاءٍ إلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا إلْزَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ.
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute