للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ لِقَوْلِهِ «أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ».

فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ وَفِي لَفْظٍ فَأَكَلَ، وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَلُزُومُ الْقَضَاءِ مُرَتَّبٌ عَلَى وُجُوبِهِ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَوْقُوفًا " الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ " وَفِي كُلٍّ مِنْ سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافٌ. وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: صَحَّ «أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَفِي لَفْظٍ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ زَادَ مُسْلِمٌ عَامَ الْفَتْحِ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلتَّأْخِيرِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ لِلسَّفَرِ كَانَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ أَنْ يُفْطِرَ كَمَا فَعَلَ ، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى.

وَحَاصِلُهُ اسْتِدْلَالٌ بِفِطْرِهِ فِي الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَلَى إبَاحَةِ فِطْرِهِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ حَسَنٌ جِدًّا. وَلَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ الْآيَةُ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ ذَمِّهِمْ عَلَى عَدَمِ رِعَايَةِ مَا الْتَزَمُوهُ مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِمْ، وَالْقَدْرُ الْمُؤَدِّي عَمَلٌ كَذَلِكَ فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، فَإِذَا أَفْطَرَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ تَفَادِيًا عَنْ الْإِبْطَالِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ فَبَدَرَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَعَرَضَ عَلَيْنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ قَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ»

وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِزَمِيلٍ سَمَاعٌ مِنْ عُرْوَةَ، وَلَا لِيَزِيدَ سَمَاعٌ مِنْ عُرْوَةَ، وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ.

فَقَالَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ . وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَعْمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ .

وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ، ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ أَحَدَّثَك عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا. وَلَكِنْ سَمِعْنَا فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ اهـ.

قُلْنَا: قَوْلُ الْبُخَارِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَالْمُخْتَارُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعِلْمِ بِالْمُعَاصَرَةِ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ سَلِمَ إعْلَالُهُ وَإِعْلَالُ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ غَيْرِهَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>