للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

«عَائِشَةَ قَالَتْ أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ» الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرَهُمَا عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ الْحَدِيثَ.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصْبَحَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ غَيْرِ الْكُلِّ فِي الْوَسِيطِ.

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أُهْدِيَتْ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ هَدِيَّةٌ وَهُمَا صَائِمَتَانِ فَأَكَلَتَا مِنْهَا فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَا تَعُودَا» فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ لَوْ كَانَ كُلُّ طَرِيقٍ مِنْ هَذِهِ ضَعِيفًا لِتَعَدُّدِهَا وَكَثْرَةِ مَجِيئِهَا، وَثَبَتَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَجْهُولَ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا أَسْنَدَ التِّرْمِذِيُّ إلَيْهِ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَةٌ أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ، فَكَيْفَ وَبَعْضُ طُرُقِهِ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ.

وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، بَلْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ وَيُؤَكِّدُ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُحْبِطُوا الطَّاعَاتِ بِالْكَبَائِرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إلَى أَنْ قَالَ ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ، أَوْ لَا تُبْطِلُوهَا بِمَعْصِيَتِهِمَا: أَيْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَوْ الْإِبْطَالُ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْهُ بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ أَوْ بِالْعُجْبِ، وَالْكُلُّ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْطَالِ إخْرَاجُهَا عَنْ أَنْ تَتَرَتَّب عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ.

وَهَذَا غَيْرُ الْإِبْطَالِ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِ هَذَا الْإِبْطَالِ، بَلْ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِهِ بِدُونِ قَضَاءٍ، فَيَكُونُ دَلِيلُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا اخْتَرْنَاهَا لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى سِوَى ذَلِكَ.

وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُفِيدُ سِوَى إيجَابِ الْقَضَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ " وَلَا تَعُودَا " وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا مُتَفَرَّدًا بِهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِلشَّافِعِيِّ، فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «آخَى النَّبِيُّ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ، قَالَ: فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : صَدَقَ سَلْمَانُ» وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ، وَكَذَا مَا أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ إلَى جَابِرٍ قَالَ «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>