(وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ
طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ ﵊: مَا لَكَ؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ ﵊: تَكَلَّفَ أَخُوكَ وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ، كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ».
فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْفِطْرِ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُعْهَدُ لِلضِّيَافَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ، وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهَا عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ ﵊ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ: أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: ثَبَتَ مَوْقُوفٌ عَلَى إبْدَاءِ ثَبْتٍ، ثُمَّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى تَتَظَافَرُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ ﵀ مَا يُثْبِتُهَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ النَّفَلَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا إذَا أُفْسِدَا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ) كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ أَثْنَاءَ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ، وَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ، أَمَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ، وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ تَسَحَّرَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَقِيلَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ نَهَارًا: لَا يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ. وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فَلْيَصُمْ، وَقَالَ فِي الْحَائِضِ فَلْتَدَعْ. وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلٌ لِلْوُجُوبِ: أَيْ لَا يَحْسُنُ بَلْ يَقْبُحُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ فِي الْمُسَافِرِ: إذَا أَقَامَ بَعْدَ الزَّوَالِ إنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَهُوَ مُقِيمٌ، فَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ ﵊ بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ وَاجِبًا، وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ فَوَائِدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute