للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ هَذِهِ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ.

(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيهِ لِقَوْلِهِ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ إلَى أَنْ قَالَ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ».

قَالَ (وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ

بِهَا التَّخْفِيفُ هِيَ الضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ الْوُقُوعِ، وَمُجَرَّدُ عُرُوضِ مَا هُوَ مُلْجِئٌ لَيْسَ بِذَلِكَ. أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ عَلَى وَجْهٍ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ لَا يُقَالُ بِبَقَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ السَّلَسِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَالْإِلْجَاءِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ مَعْذُورًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمَا يُجِيزَانِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَصْلًا.

إذْ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا بَلْ لِلَّعِبِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْرَاعِ فَلَيْسَ لِإِطْلَاقِ الْخُرُوجِ الْيَسِيرِ بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْأَنَاةَ وَالرِّفْقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى طَلَبَهُ فِي الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُفَوِّتُ بَعْضَهَا مَعَهُ بِالْجَمَاعَةِ.

وَكُرِهَ الْإِسْرَاعُ وَنُهِيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُحَصِّلًا لَهَا كُلَّهَا فِي الْجَمَاعَةِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْخُشُوعِ إذْ هُوَ يَذْهَبُ بِالسُّرْعَةِ وَالْعَاكِفُ أَحْوَجُ إلَيْهَا فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَقَيِّدًا بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ، فَهُوَ فِي حَالِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ لَهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الِانْتِظَارُ، وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ، فَكَانَتْ تِلْكَ السَّكَنَاتُ كَذَلِكَ، وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنْ نَفْسِ الِاعْتِكَافِ لَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيرُهُ بِمَا هُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، بَلْ بِمَا يُعَدُّ كَثِيرًا فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا مَعْنَى الْعُكُوفِ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِيهِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ) أَيْ لِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالتِّجَارَةِ أَوْ اسْتِكْثَارِ الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُجَاوِزُ مَوَاضِعَهَا

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) فَإِنَّهُ أَخْلَصَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَفِي إحْضَارِ السِّلْعَةِ شَغْلُهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ») رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ. وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ» اهـ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ: حَدِيثَ «لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ» عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ سَمِعَ مَكْحُولٌ مِنْ وَاثِلَةَ وَأَنَسَ. وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>