للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَطِيعَ بِالرَّاحِلَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَوْ هَدَى يُؤَدِّي بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الضَّالَّ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ أَوْ رَأْسَ زَامِلَةٍ، وَقَدْرَ النَّفَقَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا،

وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ إذَا مَلَكُوا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ فِي اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ اسْتَأْجَرَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ؟ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ اهـ.

وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ «إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ عَنْهُ أَكَانَ يُجْزِي عَنْهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ قَيَّدَ الْإِيجَابَ بِهِ، وَالْعَجْزُ لَازِمٌ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا الِاسْتِطَاعَةُ.

فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِطَاعَةُ ثَابِتَةٌ إذَا قَدَرُوا عَلَى اتِّخَاذِ مَنْ يَرْفَعُهُمْ وَيَضَعُهُمْ وَيَقُودُهُمْ بِالْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِئْجَارِ. قُلْنَا: مُلَاءَمَةُ الْقَائِدِ وَالْخَادِمِ وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ مَعَهُ مِنْهُمْ مِنْ الرِّفْقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْعَجْزُ ثَابِتٌ لِلْحَالِ. فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ بِالشَّكِّ، عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ بِالْبَدَنِ هِيَ الْأَصْلُ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فَلَأَنْ يَسْتَطِيعَ عَمَلَ كَذَا فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ مَا فِي النَّصِّ، إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لَا مُطْلَقًا تَوَسُّطًا بَيْنَ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ، لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْوُجُوبُ دَائِرٌ مَعَ فَائِدَتِهِ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فِي الصَّوْمِ فَيَثْبُتُ عِنْدَ قُدْرَةِ الْمَالِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ.

وَمِنْ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءِ الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ لَوْ صَحُّوا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ فَإِذَا تَحَمَّلُوهُ وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ. هَذَا وَفِي الْفَتَاوَى تَكَلَّمُوا فِي أَنَّ سَلَامَةَ الْبَدَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَأَمْنَ الطَّرِيقِ. وَوُجُودَ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَثْبُتَا تَنْصِيصًا بَلْ تَخْرِيجًا، أَوْ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ اخْتَارُوا رِوَايَةً.

وَإِذَا آلَ الْحَالُ إلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ تَخْرِيجِهِمَا فَلَنَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ كَوْنُهَا شُرُوطَ الْأَدَاءِ بِمَا قُلْنَاهُ آنِفًا إنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ مِمَّا تَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ إلَخْ.

وَعَلَى هَذَا فَجَعْلُ عَدَمِ الْحَبْسِ وَالْخَوْفِ مِنْ السُّلْطَانِ شَرْطَ الْأَدَاءِ أَوْلَى، وَمَنْ قَدَرَ حَالَ صِحَّتِهِ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أُقْعِدَ أَوْ زَمِنَ أَوْ فَلَجَ أَوْ قُطِعَتْ رِجْلَاهُ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ، وَهُنَا قَيْدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>