«لِأَنَّهُ ﵊ سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ إلَيْهِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَتَعَاقَبَانِ لَمْ تُوجَدْ الرَّاحِلَةُ فِي جَمِيعِ السَّفَرِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْمَسْكَنِ وَعَمَّا
أَنَّ وُجُوبَ الْإِيصَاءِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى مَاتَ، فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ﵊ سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ) رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ فِي «قَوْله تَعَالَى ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السَّبِيلُ؟ قَالُوا: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ» حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا مَنْصُور عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ.
وَمِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵃. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِيهِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» يَعْنِي قَوْلَهُ ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا.
وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ بِطُرُقِهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ لَا يَسْلَمُ مِنْ ضَعْفٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ صَحِيحٌ ارْتَفَعَ بِكَثْرَتِهَا إلَى الْحَسَنِ فَكَيْفَ وَمِنْهَا الصَّحِيحُ. هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شِقَّ مَحْمَلٍ أَوْ رَأْسَ زَامِلَةٍ عَلَى التَّوْزِيعِ لِيَكُونَ الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرِينَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَنْ قَدَرَ عَلَى شِقِّ مَحْمَلِ هَذَا، لِأَنَّ حَالَ النَّاسِ مُخْتَلِفٌ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَجَلْدًا وَرَفَاهِيَةً، فَالْمُرَفَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فِي عُرْفِنَا رَاكِبٌ مُقَتَّبٌ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ السَّفَرَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَهْلَكُ بِهَذَا الرُّكُوبِ فَلَا يَجِبُ فِي حَقِّ هَذَا لَا إذَا قَدَرَ عَلَى شِقِّ مَحْمَلٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَتَأَتَّى فِي الزَّادِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَا يَكْفِيهِ مِنْ خُبْزٍ وَجُبْنٍ دُونَ لَحْمٍ وَطَبِيخٍ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ، بَلْ رُبَّمَا يَهْلَكُ مَرَضًا بِمُدَاوَمَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا كَانَ مُتَرَفِّهًا مُعْتَادَ اللَّحْمِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُرْتَفِعَةِ، بَلْ لَا يَجِبُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَصْلُحُ مَعَهُ بَدَنُهُ.
وَقَوْلُهُ ﵊ «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا الزَّادُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ وَالرَّاحِلَةُ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِ النَّاسِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَا يُبَلِّغُ كُلَّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إلَخْ) الْعَقَبَةُ أَنْ يَكْتَرِيَ الِاثْنَانِ رَاحِلَةً يَعْتَقِبَانِ عَلَيْهَا يَرْكَبُ أَحَدُهُمَا مَرْحَلَةً وَالْآخَرُ مَرْحَلَةً، وَلَيْسَ يَلْزَمُ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute