لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَثِيَابِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَرْأَةِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِأَمْرِهِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ، لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ فِي الْأَدَاءِ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ
يَمْلِكَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَنَقَلْنَا مَا فِي الْيَنَابِيعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ) قَدَّمْنَا فَائِدَةَ اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ فِي الْيَنَابِيعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ) أَيْ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ.
وَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ: لَا أَقُولُ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. وَقَوْلُ الثَّلْجِيِّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً كَانَ وَقْتُ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ وَيَتَرَصَّدُونَ لِلْحُجَّاجِ، وَقَدْ هَجَمُوا فِي بَعْضِ السِّنِينَ عَلَى الْحَجِيجِ فِي نَفْسِ مَكَّةَ فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا فِي نَفْسِ الْحَرَمِ، وَأَخْذُو أَمْوَالَهُمْ، وَدَخَلَ كَبِيرُهُمْ بِفَرَسِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَوَقَعَتْ أُمُورٌ شَنِيعَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى أَنْ عَافَى مِنْهُمْ.
وَقَدْ سُئِلَ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْهُمْ فَقَالَ: مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ: أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا كَقِلَّةِ الْمَاءِ، وَشِدَّةِ الْحَرِّ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ، وَهَذَا إيجَابٌ مِنْهُ ﵀، وَمَحْمَلُهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ انْدِفَاعُ شَرِّهِمْ عَنْ الْحَاجِّ، وَرَأَى الصَّفَّارُ عَدَمَهُ فَقَالَ: لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ، وَمَا ذَكَرَ سَبَبًا لِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِإِرْشَادِهِمْ فَتَكُونَ الطَّاعَةُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ، فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إنَّمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ مَا ذَكَرْته، ثُمَّ الْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَكَوْنُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ لَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ لِمَعْصِيَةِ عَاصٍ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ حَتَّى إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْهُمْ مِرَارًا أَوْ سَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ. وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ، فَقِيلَ: الْبَحْرُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هُوَ) أَيْ أَمْنُ الطَّرِيقِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ حَتَّى لَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ ابْنُ شُجَاعٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute