للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ . وَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا غَيْرَ.

قَالَ (وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ تَحُجُّ بِهِ أَوْ زَوْجٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا

الْوُصُولَ بِدُونِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَصَارَ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ مِنْهَا لَذَكَرَهُ وَإِلَّا كَانَ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْعِبَادِ وَلَا يُسْقِطُ الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ كَالْقَيْدِ مِنْ الظَّالِمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُصُولِ الْأَمْنِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْوُجُوبِ تَقَدَّمَ لَنَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَأَنَّ عَدَمَ الْخَوْفِ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْحَبْسِ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ أَيْضًا فَيَجِبُ عَلَى الْخَائِفِ وَالْمَحْبُوسِ الْإِيصَاءُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَهُ. وَقَالُوا لَوْ تَحَمَّلَ الْعَاجِزُ عَنْهُمَا فَحَجَّ مَاشِيًا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ، حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبْدِ، بَلْ لِلتَّرْفِيهِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ، فَإِذَا تَحَمَّلَهُ وَجَبَ ثُمَّ يَسْقُطُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ. الثَّانِي: أَنَّ الْفَقِيرَ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَوَاقِيتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السُّقُوطِ عَنْهُ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ كَدُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لِلْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ، فَلَا يَنْقَلِبُ لَهُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ كَالصَّبِيِّ إذَا أَحْرَمَ ثُمَّ بَلَغَ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّجْدِيدُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ انْعَقَدَ لَازِمًا لِلنَّفْلِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا نَذْكُرُ قَرِيبًا، وَبِخِلَافِ مَنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ فَلَمْ يَنْوِ الْوَاجِبَ لِأَنَّ إحْرَامَهُ حِينَئِذٍ انْعَقَدَ لِلْوَاجِبِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ يُخَالِفُهُ، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، لِأَنَّ تَحَقُّقَ تَحَمُّلِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ.

وَمَعَ الْفَرَاغِ لَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ لَمْ يَكُنْ أَثَرُهُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمُنْقَضِي إذْ لَا يَسْبِقُ فِعْلُ الْوَاجِبِ الْوُجُوبَ، فَمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ لَا يَنْتَهِضُ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْهُ وَاحِدٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِضْ فِيهِ الْأَوَّلُ انْتَهَضَ فِيهِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا الْإِيرَادَ بِالْفَقِيرِ لِأَنَّا نَرَى أَنَّ سَلَامَةَ الْجَوَارِحِ شَرْطُ الْأَدَاءِ لَا الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا.

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ) وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا (أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ) كَابْنٍ أَوْ عَمٍّ، وَكَمَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ كَذَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْعِدَّةِ وَقَالُوا فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ تُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ لَا تُسَافِرْ إلَّا بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا لَا تُعَانُ عَلَى السَّفَرِ وَلَا تُسْتَصْحَبُ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ مَا لَمْ تَبْلُغْ، وَبُلُوغُهَا حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَدَّ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ النَّجْفِ، فَإِنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا أَوْ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ إلَى كُلٍّ مِنْ بَلَدِهَا وَمَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ تَخَيَّرَتْ، أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا سَفَرٌ دُونَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْآخَرِ، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ قَرَّتْ فِيهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَلَا تَخْرُجُ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>