(فَصْلٌ) (وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاوِزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ: لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ. وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) هَكَذَا وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ لِهَؤُلَاءِ.
فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ)
جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ، اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ كَقَلْبِهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
لَزِمَ شَرْعًا تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ لِلْآفَاقِيِّ عَلَى وُصُولِهِ إلَى الْبَيْتِ تَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ، وَإِجْلَالًا كَمَا تَرَاهُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ تَرَجُّلِ الرَّاكِبِ الْقَاصِدِ إلَى عَظِيمٍ مِنْ الْخَلْقِ إذَا قَرُبَ مِنْ سَاحَتِهِ خُضُوعًا لَهُ، فَكَذَا لَزِمَ الْقَاصِدَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْحُلُولِ بِحَضْرَتِهِ إجْلَالًا، فَإِنَّ فِي الْإِحْرَامِ تَشَبُّهًا بِالْأَمْوَاتِ، وَفِي ضِمْنِ جَعْلِ نَفْسِهِ كَالْمَيِّتِ سَلْبُ اخْتِيَارِهِ.
وَإِلْقَاءُ قِيَادِهِ مُتَخَلِّيًا عَنْ نَفْسِهِ فَارِغًا عَنْ اعْتِبَارِهَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ فَسُبْحَانَ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ) بِالسُّكُونِ مَوْضِعٌ، وَجَعَلَهُ فِي الصِّحَاحِ مُحَرَّكًا، وَخَطِئَ بِأَنَّ الْمُحَرَّكَ اسْمُ قَبِيلَةٍ إلَيْهَا يُنْسَبُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ (قَوْلُهُ هَكَذَا وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ) أَمَّا تَوْقِيتُ مَا سِوَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمَنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» وَرُوِيَ هُنَّ لَهُمْ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ التَّقْدِيرُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ. وَأَمَّا تَوْقِيتُ ذَاتِ عِرْقٍ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت أَحْسِبُهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ قَالَ: وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» وَفِيهِ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي رَفْعِهِ هَذِهِ الْمَرَّةِ، وَرَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ وَلَمْ يَشُكَّ.
وَلَفْظُهُ «وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّرْقِ ذَاتُ عِرْقٍ» إلَّا أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ الْجَوْزِيَّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ ﵂ «أَنَّهُ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَزَادَ فِيهِ النَّسَائِيّ بَقِيَّةً.
وَفِي سَنَدِهِ أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُنْكِرُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute