لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ». وَإِنْ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا
- ﵁: «أَنَّهُ ﵊ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) أَيْ التَّلْبِيَةُ دُبُرَ الصَّلَاةِ (لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ «أَنَّهُ ﵊ لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ» اعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إهْلَالِهِ ﵊، وَرِوَايَاتٌ «أَنَّهُ ﵊ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ» أَكْثَرُ وَأَصَحُّ. فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ «أَنَّهُ ﵊ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ ﵊ إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا «عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» مُخْتَصَرًا.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ ﵁ «صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ» وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ «ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» فَهَذِهِ تُفِيدُ مَا سَمِعْت.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ رَوَاهُ غَيْرُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ فِي الْإِمَامِ. وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ وَخُصَيْفٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ فَقِيهًا صَالِحًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كَثِيرًا. وَالْإِنْصَافُ فِيهِ قَبُولُ مَا وَافَقَ فِيهِ الْإِثْبَاتَ، وَتَرَكَ مَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي إدْخَالِهِ فِي الثِّقَاتِ، وَلِذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَتَرَكَهُ آخَرُونَ.
وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ وَإِلَّا تَرَجَّحَ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ بَلْ وَقَعَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خُصَيْفٍ «عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي إهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا. خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعْنَاهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى ﵊ فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute