عَلَيْهِ. قَالَ (وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) يَعْنِي إذَا نَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقْدِيمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ (وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ)
يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا»
فَقَدْ صَرَّحَ بِتَقْرِيرِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ يَتَقَيَّدُ فِيهَا بِالْوَارِدِ لِأَنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ شَرْعًا كَحَالَةِ عَدَمِهَا، وَلِذَا قُلْنَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى إذَا كَانَ التَّشَهُّدُ الثَّانِي قُلْنَا لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ بِالْمَأْثُورِ لِأَنَّهُ أُطْلِقَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ نَظَرًا إلَى فَرَاغِ أَعْمَالِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُهُ الْمُخَالِفِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي رِوَايَةِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ.
وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ افْتِتَاحِ الْإِحْرَامِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَالْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِتَقَدُّمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ الْخَفِيَّةِ بَلْ قَدْ ذَكَرَهَا نَصًّا، فَإِنَّ نَظْمَ الْكِتَابِ هَكَذَا: ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ ثُمَّ ذَكَرَ صُورَةَ التَّلْبِيَةِ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ فَلَا يُشْكَلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا لَبَّى التَّلْبِيَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ فَقَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ. ثُمَّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ سِوَى أَنَّهُ عِنْدَ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ يَصِيرُ مُحْرِمًا، أَمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ ذِكْرِ الْآخِرَةِ فَلَا. وَذَكَرَ حُسَامُ الدِّينِ الشَّهِيدُ: أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ سِوَى أَنَّ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَرْضِ وَلَا النَّفْلِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْحَجِّ. وَكَانَ مِنْ الْمُهِمِّ ذِكْرُ أَنَّهُ هَلْ يَسْقُطُ بِذَلِكَ فَرِيضَةُ الْحَجِّ أَمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِإِطْلَاقِ نِيَّةِ الْحَجِّ بِخِلَافِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ نَفْلًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ بَعْدُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إذَا نَوَى النَّفَلَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ سَمِعَ شَخْصًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ أَوْ مَعْنَاهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ». قُلْنَا: غَايَةُ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ لَا تُحَوِّلُهُ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ الْمَنْوِيِّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ إثْبَاتٌ بِلَا دَلِيلٍ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا مِثْلَهُ فِي رَمَضَانَ، لِأَنَّ رَمَضَانَ حُكْمُهُ تَعْيِينُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى مُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِتَتَمَيَّزَ الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ انْصَرَفَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute