خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ كَمَا فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ سِوَى التَّلْبِيَةِ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى أَصْلِهَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، حَتَّى يُقَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ.
قَالَ (وَيَتَّقِي مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ فَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ
الْمَشْرُوعِ فِي الْوَقْتِ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْحَجِّ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْحَجِّ كَوَقْتِ الصَّوْمِ لِمَا عُرِفَ بَلْ يُشْبِهُهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلِلْمُشَابَهَةِ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ بِالْإِطْلَاقِ وَلِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمُشِقِّ تَحْصِيلُهَا وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ فَصَرَفْنَاهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَلِلْمُفَارَقَةِ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ بِتَعْيِينِ النَّفْلِ، وَأَيْضًا فَالدَّلَالَةُ تُعَبِّرُ عِنْدَ عَدَمِ مُعَارَضَةِ الصَّرِيحِ، وَالْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةٌ حَيْثُ صَرَّحَ بِالضِّدِّ وَهُوَ النَّفَلُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِطْلَاقِ إذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَخَصِّ وَالْأَعَمِّ.
[فُرُوعٌ]
إذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَصْلُ حَدِيثُ عَلِيٍّ ﵁ «حِينَ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» فَأَجَازَهُ ﵊ الْحَدِيثُ مَرَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ وَالتَّعْيِينِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حَجِّهِ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا ثُمَّ أَحْرَمَ ثَانِيًا بِحَجَّةٍ فَالْأَوَّلُ لِعُمْرَةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ فَالْأَوَّلُ لِحَجَّةٍ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي أَيْضًا شَيْئًا كَانَ قَارِنًا، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا وَنَسِيَهُ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ احْتِيَاطًا لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا، فَإِنْ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ بِدَمٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِي حَجَّةً وَعُمْرَةً، وَإِنْ جَامَعَ مَضَى فِيهِمَا وَيَقْضِيهِمَا إنْ شَاءَ جَمَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِشَيْئَيْنِ وَنَسِيَهُمَا لَزِمَهُ فِي الْقِيَاسِ حَجَّتَانِ وَعُمْرَتَانِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الْمَسْنُونِ وَالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ إذْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ بِشَيْئَيْنِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ لَا يَنْوِي شَيْئًا فَهُوَ حَجٌّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ بِنِيَّةٍ سَابِقَةٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ نَذْرًا وَنَفْلًا كَانَ نَفْلًا أَوْ نَوَى فَرْضًا وَتَطَوُّعًا كَانَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِمَا نَوَى لَا بِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ، وَلَوْ لَبَّى بِحَجَّةٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كَانَ قَارِنًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute