وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ، أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَهُوَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً، وَالْجِدَالُ أَنْ يُجَادِلَ رَفِيقَهُ، وَقِيلَ: مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ وَقْتِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ
(وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾
فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ كَقَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ فَتَكْفِي النِّيَّةُ لِالْتِزَامِهَا. وَقِسْنَا نَحْنُ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ أَفْعَالٍ لَا مُجَرَّدُ كَفٍّ بَلْ الْتِزَامُ الْكَفِّ شَرْطٌ فَكَانَ بِالصَّلَاةِ أَشْبَهَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ يُفْتَتَحُ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ قَالَ: فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ﵄: التَّلْبِيَةُ.
وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁: الْإِحْرَامُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمَا كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ التَّلْبِيَةُ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَنْ عَائِشَةَ " لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ أَوْ لَبَّى " إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ تَعْيِينُ التَّلْبِيَةِ حَتَّى لَا يَصِيرَ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ لِلشَّافِعِيِّ ﵀، لَكِنْ ثَمَّةَ آثَارٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ يَصِيرُ مُحْرِمًا تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ صَحِيحٌ، ثُمَّ إذَا لَبَّى صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ الْمُعَلِّمِ لِلْخَيْرَاتِ ﷺ وَدَعَا بِمَا شَاءَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَيُسْتَحَبُّ فِي التَّلْبِيَةِ كُلِّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ الْجَهْدُ فِي ذَلِكَ كَيْ لَا يَضْعُفُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَهَا إلَّا أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ ﷺ. وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ سَأَلَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي، وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَآمَنُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك وَاجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت عَنْهُمْ، اللَّهُمَّ قَدْ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَدَمِي وَمُخِّي وَعِظَامِي
(قَوْلُهُ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ (أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ) وَدَوَاعِيهِ (بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ لَا يَكُونُ رَفَثًا، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ أَنْشَدَ:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا … إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا
فَقِيلَ لَهُ: أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: إنَّمَا الرَّفَثُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: كُنَّا نُنْشِدُ الْأَشْعَارَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَاذَا؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ:
قَامَتْ تُرِيك رَهْبَةً أَنْ تَهْضِمَا … سَاقًا بَخَنْدَاةً وَكَعْبًا أَدْرَمَا
وَالْبَخَنْدَاةُ مِنْ النِّسَاءِ التَّامَّةُ، وَالدَّرْمُ فِي الْكَعْبِ أَنْ يُوَارِيَهُ اللَّحْمُ فَلَا يَكُونُ لَهُ نُتُوءٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ) فَإِنَّهَا حَالَةٌ يَحْرُمُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الْمُقَوِّيَةِ لِلنَّفْسِ فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمَاتِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْجِدَالُ أَنْ يُجَادِلَ رَفِيقَهُ) وَهُوَ الْمُنَازَعَةُ وَالسِّبَابُ، وَقِيلَ: جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ. وَقِيلَ: التَّفَاخُرُ بِذِكْرِ آبَائِهِمْ حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْحَرْبِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا إلَخْ) يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ أُمُورٌ:
الْأَوَّلُ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ