للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْكَعْبُ هُنَا الْمِفْصَلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ دُونَ النَّاتِئِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ .

قَالَ (وَلَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا». وَلَنَا قَوْلُهُ «لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» قَالَهُ فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ

الصَّحِيحَيْنِ مَا خَلَا ابْنَ إِسْحَاقَ اهـ.

وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْكَعْبُ هُنَا) قُيِّدَ بِالظُّرُوفِ لِأَنَّهُ فِي الطَّهَارَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَظْمُ النَّاتِئُ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاتِئِ حُمِلَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَشَايِخُ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الْمُكَعَّبِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْخَلْفِ بَعْدَ الْقَطْعِ كَذَلِكَ مُكَعَّبٌ، وَلَا يَلْبَسُ الْجَوْرَبَيْنِ وَلَا الْبُرْنُسَ، لَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا جَوَازَ لُبْسِهِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا») رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا حُجَّةٌ إذَا لَمْ يُخَالِفْ وَخُصُوصًا فِيمَا لَمْ يُدْرَكْ بِالرَّأْيِ.

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِمَا أَسْنَدَهُ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي الَّذِي وُقِصَ: خَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ».

وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُثْمَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ» قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرَجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَنَا قَوْلُهُ فِيمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَقْعَصَتْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» أَفَادَ أَنَّ لِلْإِحْرَامِ أَثَرًا فِي عَدَمِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُنَا قَالُوا لَوْ مَاتَ الْمُحْرِمُ يُغَطَّى وَجْهُهُ لِدَلِيلٍ آخَرَ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْوَجْهَ، فَلِذَا قَالَ الْحَاكِمُ: فِيهِ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْهُ «وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ» وَهُوَ الْمَحْفُوظُ.

وَدُفِعَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَى مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَوْلَى مِنْهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَكَيْفَ يَقَعُ التَّصْحِيفُ وَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَ حُرُوفِ الْكَلِمَتَيْنِ، ثُمَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ الرَّأْسِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي مُسْلِمٍ، لَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ تِلْكَ اقْتِصَارًا مِنْ الرَّاوِي، فَيُقَدَّمُ عَلَى مُعَارَضِهِ مَنْ مُرْوِيٍّ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُ سَنَدًا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ، وَلَا يُغَطِّيَ فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ، فَيَجِبُ حَمْلُ التَّغْطِيَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مِثْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>