وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا مَعَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ فِتْنَةٌ فَالرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ الْفَرْقُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ.
قَالَ (وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) لِقَوْلِهِ ﵊ «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» (وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ) لِمَا رَوَيْنَا (لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بُدْنِهِ) ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ الْآيَةَ (وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةُ الشَّعَثِ وَقَضَاءِ التَّفَثِ.
قَالَ (وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ وَلَا عُصْفُرٍ) لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ)
يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ ﷺ إنَّمَا كَانَ يُغَطِّي أَنْفَهُ بِيَدِهِ فَوَارَتْ بَعْضَ أَجْزَائِهِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ جَمْعًا (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ مَا رُوِيَ الْفَرْقُ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) أَيْ إحْرَامُهُ فِي رَأْسِهِ فَيَكْشِفُهُ وَإِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا فَتَكْشِفُهُ، فَفِي جَانِبِهَا قَيْدٌ فَقَطْ مُرَادٌ، وَفِي جَانِبِهِ مَعْنًى لَفْظٌ أَيْضًا مُرَادٌ.
وَحَدِيثُ «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ ﵁ مِمَّا أَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَتَغَيُّرُهُ لِعَدَمِ تَعَاهُدِهِ، فَأَفَادَ مَنْعَ الِادِّهَانِ، وَلِذَا قَالَ: وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ لِمَا رَوَيْنَاهُ، وَالتَّفْلُ تَرْكُ الطِّيبِ حَتَّى تُوجَدَ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَيُفِيدُ مَنْعَ التَّطَيُّبِ
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ» إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ) أَيْ لَا تَظْهَرُ لَهُ رَائِحَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِلرَّائِحَةِ لَا لِلَّوْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِمَغْرَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزِّينَةُ وَالْإِحْرَامُ لَا يَمْنَعُهَا حَتَّى قَالُوا: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ وَتَلْبَسَ الْحَرِيرَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الزِّينَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مِنْهُ الصِّبْغُ، وَكِلَا التَّفْسِيرَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي نَصِّ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ الْجِلْدَ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا فَهْدٌ وَسَاقَهُ إلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute