للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلطِّيبِ لَا لِلَّوْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِأَنَّهُ لَوْنٌ لَا طِيبَ لَهُ. وَلَنَا أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ)

وَلَا زَعْفَرَانٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا» يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ.

وَرَأَيْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْحِمَّانِيُّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا عِنْدِي، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْ فَوْرِهِ فَجَاءَ بِأَصْلِهِ فَخَرَجَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَمَا ذَكَرَ الْحِمَّانِيُّ فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. قَالَ: وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ إطْلَاقَهُ فِي الْغَسِيلِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً) فَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ أَوْ لَا فَقُلْنَا نَعَمْ فَلَا يَجُوزُ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا يَتَحَنَّى الْمُحْرِمُ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ وَمَذْهَبُنَا عَائِشَةُ فِي هَذَا.

ثُمَّ النَّصُّ وَرَدَ بِمَنْعِ الْمُوَرَّسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَهُوَ دُونَ الْمُعَصْفَرِ فِي الرَّائِحَةِ فَيُمْنَعُ الْمُعَصْفَرُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد قَوْلُهُ «وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ» إلَخْ وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَيْثُ قَالَ " فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ الْجِلْدَ " قُلْنَا: أَمَّا الثَّانِي فَقَدْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مَنْعُ الْمُوَرَّسِ فَيُمْنَعُ الْمُعَصْفَرُ بِدَلَالَتِهِ أَيْ بِفَحْوَاهُ، بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ إذْ لَا تَعَارُضَ أَصْلًا لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ وَقَعَ عَنْ الْمُزَعْفَرَةِ الَّتِي تُرْدَعُ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَنْهَ إلَّا عَنْ الْمُزَعْفَرَةِ الَّتِي تَرْدَعُ: إنَّمَا هُوَ قَوْلُ الرَّاوِي حِكَايَةً عَنْ الْحَالِ وَهُوَ صَادِقٌ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ الْمُزَعْفَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِغَيْرِهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُثِيرُ لِلْجَوَابِ إلَّا فِي الْمُزَعْفَرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِإِطْلَاقِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نَصَّ الْمُوَرَّسِ، وَفَحْوَاهُ فِي الْمُعَصْفَرِ خَالِيَيْنِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَيْسَ تَخْصِيصًا أَيْضًا.

وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ " أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ مَدَرٌ، فَقَالَ عُمَرُ : أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ " اهـ. فَإِنْ صَحَّ كَوْنُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَفَادَ مَنْعَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُ الْأَزْرَقُ وَنَحْوُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى الْمُتَنَازَعُ فِيهِ دَاخِلًا فِي الْمَنْعِ.

وَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ نَقُولَ: وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ مُدْرَجٌ فَإِنَّ الْمَرْفُوعَ صَرِيحًا هُوَ قَوْلُهُ " سَمِعْته يَنْهَى عَنْ كَذَا " وَقَوْلُهُ " وَلْتَلْبَسْ " بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عَطْفًا عَلَى يَنْهَى لِكَمَالِ الِانْفِصَالِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>