للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ عُمَرَ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ

(وَ) لَا بَأْسَ بِأَنْ (يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمُحْمَلُ) وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُشْبِه تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ. وَلَنَا أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ

- فَتَخْلُو تِلْكَ الدَّلَالَةُ عَنْ الْمُعَارِضِ الصَّرِيحِ، أَعْنِي مَنْطُوقَ الْمُوَرَّسِ وَمَفْهُومَهُ الْمُوَافِقَ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) أَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ إلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ " اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي. فَقُلْت: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شَعَثًا، فَسَمَّى اللَّهَ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ "

وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِمَعْنَاهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا وَهُوَ مَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْتَسِلُ، فَأَرْسَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إلَيْك عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ يَسْأَلُك كَيْفَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اُصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ أَبُو أَيُّوبَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ اغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ لِتَوَهُّمِ التَّغْطِيَةِ وَقَتْلِ الْقَمْلِ، فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ.

وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَيَعْصِبَهُ وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ وَيَخْتَتِنَ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ، وَيُكْرَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ، وَلَوْ عَصَّبَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَّبَ غَيْرَهُ مِنْ بَدَنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا عِلَّةٍ

(قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ : يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ عُثْمَانَ " أَنَّهُ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ فُسْطَاطٌ " فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الصَّلْتُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ قَالَ " رَأَيْت عُثْمَانَ بِالْأَبْطُحِ وَإِنَّ فُسْطَاطَه مَضْرُوبٌ وَسَيْفَهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ " اهـ.

ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُحْرِمُ يَحْمِلُ السِّلَاحَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفُسْطَاطَ إنَّمَا يُضْرَبُ لِلِاسْتِظْلَالِ. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ فِي مُسْلِمٍ «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» الْحَدِيثَ.

وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ» وَدُفِعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ هَذَا الرَّامِي فِي قَوْلِهِ «حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ فَيَكُونُ بَعْدَ إحْلَالِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِنْ أَلْفَاظِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحِينَئِذٍ يَبْعُدُ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَاطِنًا. وَإِنْ كَانَ السَّنَدُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَمْيَهَا يَوْمَ النَّحْرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَظْلِيلٍ، فَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَأَمَرَ بَقِيَّةً مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>