وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ﵊.
قَالَ (ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَاكَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَطَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» (وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَهُوَ سُنَّةٌ. وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﵊.
قَالَ (وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ
فَجَعَلَ حَمَّادٌ يَصْعَدُ الصَّفَا وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُ. وَيَصْعَدُ حَمَّادٌ الْمَرْوَةَ وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهَا، فَقَالَ حَمَّادٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ؟ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ طَوَافُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ حَمَّادٌ: فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ إنَّمَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ شَاكٍ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنٍ، فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَصْعَدْ» اهـ.
فَالْجَوَابُ بِأَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْعُمْرَة.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا «سَعَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ» وَهَذَا لَازِمٌ أَنْ يَكُونَ فِي الْعُمْرَةِ إذْ لَا مُشْرِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَكَّة.
فَالْجَوَابُ: نَحْمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى عُمْرَةٍ غَيْرِ الْأُخْرَى، وَالْمُنَاسِبُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَوْنُهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ تُفِيدُهُ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ الرُّكُوبُ لِلشِّكَايَةِ فِي غَيْرِهَا وَهِيَ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ. وَسَنُسْعِفُك بِعَدِّ عُمَرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَابِ الْفَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ» وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَدِ مَكَانَ تَقْبِيلِ الْيَدِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ التَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ أَوْ بِمَا فِيهَا (اسْتَقْبَلَهُ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلًا بِبَاطِنِهِمَا إيَّاهُ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ﷺ) وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ إلَخْ) أَمَّا الْأَخْذُ عَنْ الْيَمِينِ فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «لَمَّا قَدِمَ ﵊ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَأَمَّا حَدِيثُ الِاضْطِبَاعِ فَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ غَيْرُهُ.
وَأَخْرَجَ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا افْتِعَالٌ مِنْ الضَّبُعِ وَهُوَ الْعَضُدُ، وَأَصْلُهُ اضْتِبَاعٌ لَكِنْ قَدْ عُرِفَ أَنَّ تَاءَ الِافْتِعَالِ تُبَدَّلُ طَاءً إذَا وَقَعَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute