" وَقَالَ لِعُمَرَ ﵁: إنَّكَ رَجُلٌ أَيْدٍ تُؤْذِي الضَّعِيفَ فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْتَ فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ ". وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ.
قَالَ (وَإِنْ) (أَمْكَنَهُ أَنْ يَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ) كَالْعُرْجُونِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ فُعِلَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ»
أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ بِجَبْهَتِهِ. وَقَالَ " رَأَيْت عُمَرَ ﵁ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَ ذَلِكَ فَفَعَلْته " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ» وَصَحَّحَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ لِمَا صُرِّحَ مِنْ تَوَسُّطِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قِوَامَ الدِّينِ الْكَاكِيَّ قَالَ: وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَنَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ لِعُمَرَ) فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْحَجَرَ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي فَقَالَ يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ»
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُمِسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ) أَوْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ (وَيُقَبِّلَ مَا مَسَّ بِهِ فَعَلَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ».
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ إلَى قَوْلِهِ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنِ».
وَهَاهُنَا إشْكَالٌ حَدِيثِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ بِلَا شُبْهَةٍ «أَنَّهُ ﵊ رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ» وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَهَذَا يُنَافِي طَوَافَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ. فَإِنْ أُجِيبَ: بِحَمْلِ حَدِيثِ الرَّاحِلَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ دَفَعَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ فِي مُسْلِمٍ «طَافَ ﵊ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُصْرَفَ النَّاسُ عَنْهُ» وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِيهِ إنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ الرُّكْنَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ طَافَ مَاشِيًا لَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْ الْحَجَرِ كُلَّمَا جَاءَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَوْقِيرًا لَهُ أَنْ يُزَاحَمَ، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ مَرْجِعِهِ النَّبِيَّ ﷺ: يَعْنِي لَوْ لَمْ يَرْكَبْ لَانْصَرَفَ النَّاسُ عَنْهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَامَ الْوُصُولَ إلَيْهِ لِسُؤَالٍ أَوْ لِرُؤْيَةٍ لِاقْتِدَاءٍ لَا يَقْدِرُ لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ حَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلِ حَاجَتِهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُ الْحَدِيثَيْنِ دُونَ تَعَارُضِهِمَا.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي الْحَجِّ لِلْآفَاقِيِّ أَطْوِفَةً فَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ مِنْ رُكُوبِهِ كَانَ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ يَوْمَ النَّحْرِ لِيُعْلِمَهُمْ، وَمَشْيُهُ كَانَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ لِأَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ الطَّوَافَ الَّذِي بَدَأَ بِهِ أَوَّلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ، كَمَا يُفِيدُهُ سَوْقُهُ لِلنَّاظِرِ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ ﵃ «إنَّمَا طَافَ رَاكِبًا لِيُشْرِفَ وَيَرَاهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُوهُ»، وَبَيْنَ مَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ إنَّمَا طَافَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي.
كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ «أَنَّهُ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ عِكْرِمَةَ