الْبَيْتِ» فَلِهَذَا يُجْعَلُ الطَّوَافُ مِنْ وَرَائِهِ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تُجْزِيه الصَّلَاةُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ.
قَالَ (وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ) وَالرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ
مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَهُ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ بِالْبَيْتِ وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ».
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ «كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ، وَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ هَدَمَهُ فِي خِلَافَتِهِ وَبَنَاهُ عَلَى مَا أَحَبَّ ﵊ أَنْ يَكُونَ، فَلَمَّا قُتِلَ أَعَادَهُ الْحَجَّاجُ عَلَى مَا كَانَ يُحِبُّهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَسْنَا مِنْ تَخْلِيطِ أَبِي خُبَيْبٍ فِي شَيْءٍ فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَعْرُوفُ بِالْقُبَاعِ، وَهُوَ أَخُو عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَحَدَّثَاهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَنَدِمَ، وَجَعَلَ يَنْكُتُ الْأَرْضَ بِمُحْضَرَةٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: وَدِدْت أَنِّي تَرَكْت أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ
، ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ هَذَا، وَلَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فَتَجِبُ إعَادَةُ كُلِّهِ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَلْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ فَقَطْ وَدَخَلَ الْفُرْجَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ طَافَ وَلَمْ يَدْخُلْ الْفُرْجَتَيْنِ بَلْ كَانَ يَرْجِعُ كُلَّمَا وَصَلَ إلَى بَابِهِمَا فَفِي الْغَايَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ اهـ. وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ. وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، فَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَخْذُ فِي الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَسَارِ الطَّائِفِ فَتَرْكُهُ تَرْكُ وَاجِبٍ، فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْإِثْمَ فَيَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ.
فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَالِافْتِتَاحُ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، قِيلَ: لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْحَقُّ فِعْلُهُ ﵊ بَيَانًا. وَقِيلَ: يُجْزِيهِ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَا مُجْمَلَةٌ غَيْرَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ. لِأَنَّهُ ﵊ لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ) تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى أَرْضٍ تَنَجَّسَتْ ثُمَّ جَفَّتْ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ بِأَنَّ قَطْعِيَّةَ التَّكْلِيفِ بِفِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ لَا يَتَوَقَّفُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهِ عَلَى الْقَطْعِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ.
بَلْ ظَنُّهُ كَافٍ لِلْقَطْعِ بِالتَّكْلِيفِ بِاسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ عَهْدِيَّةِ الْقَطْعِ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُظَنُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute