عرفت المؤرخ ابن الحمصي الدمشقي، من كتاب الدكتورة ليلى أحمد، «دراسات في تاريخ ومؤرخي الشام ومصر» فوجدت فيه مؤرخا بارعا أصلا، وندّا كفؤا لمعاصريه من المؤرخين المشهورين، كابن إياس، وابن طولون، لأنه سجل أحداث عصره بدقة وأمانة، وكان شاهد عيان لمرحلة زمنية هامة، وخطيرة من تاريخ الأمة العربية، في مصر والشام، وهي الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع الهجري، إلى منتصف القرن العاشر الهجري. أي نهاية العصر المملوكي وبداية العصر العثماني، وما ترتب على هذا الانتقال من تغييرات اجتماعية، واقتصادية وسياسية، وإدارية في مصر والشام.
لذلك سعيت للحصول على صورة عن كتاب ابن الحمصي «حوادث الزمان»، وعزمت على تحقيق هذا الكتاب، إحياء له ولصاحبه، وإخراجه إلى النور، بعد أن لفّه النسيان والشتات لفترة طويلة من الزمن. ولما كان هذا الكتاب السفر الوحيد الباقي، والمعروف من آثار ابن الحمصي، بعد أن ضاع كتابه (التاريخ الكبير) الذي استفاد منه مؤرخون معاصرون لابن الحمصي، كالغزّي صاحب كتاب «الكواكب السائرة»، ومن جاء بعده كالسخاوي صاحب «الضوء اللامع».
وكان ابن الحمصي، قد تولى مناصب هامة في الدولة المملوكية، كالتدريس، والقضاء، والخطابة في مصر والشام، وعاشر رجال الدولة، وأهل العلم. فكانت ثقافته عالية، وبيئته علمية، وحالته الاجتماعية والمادية طيبة. ومع ذلك نسيه معاصروه، ولم يترجموا له، إلا ابن الغزي، فإنه ترجم له ترجمة غير شافية، في حين ترجم ابن الحمصي لعدد كبير من الأعلام، والشيوخ في كتابه (حوادث الزمان) على مدى ثمانين عاما. ويعترف ابن الحمصي بأنه دوّن أحداث كتابه، لأنه يحب التاريخ