الحمد لله الباقي، والبقاء من صفات ذاته، الحي فلا نهاية لحياته، العالم بجميع معلوماته، القادر، وقدرته نافذة في سائر مخلوقاته، المريد فلا يخرج شيء عن إراداته، السّميع الذي وسع سمعه حركات العالم وأصواته، البصير الذي يبصر ما خفي في ظلماته، المتكلّم بكلام قديم لا مبدّل لكلماته. أحمده على جزيل هباته، وأشكره على غزير صلاته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله تصرّف في مخلوقاته، وأتقن أمر مصنوعاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي نظّم شمل الإسلام من بعد شتاته، ووصل حبله بعد انقطاعه، وانبتاته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وبنيه، وبناته، وعلى أصحابه، وأحبابه، وزوجاته، صلاة دائمة على ممرّ الزّمان وأوقاته، مقرونة بأتم السلام، وأزكى تحياته وسلّم تسليما، وزاده شرفا وتعظيما.
وبعد: فعلم التاريخ جليل المقدار، عظيم الأخطار، أنواره، على ممرّ الدّهور لا تطفى وفوائده الكثيرة على ذوي البصائر/لا تخفى. وقد نطق الكتاب العزيز، بجمل من أخبار الأمم الماضية، ونبذ من أنباء القرون الخالية، وحدّث النبيّ ﷺ بكثير من قصص الأيّام الإسرائيليّة، وممّا جرى من الوقائع في زمن الجاهلية. ولا ريب أنّ الاعتناء بعلم الأخبار لم يزل من لدن الصّحابة الأبرار، ومن بعدهم من التّابعين الأخيار، وتابعيهم من الأئمة على ممرّ الأعصار. ولو لم يكن في معرفة ذلك إلا التّحلّي بما يزين، والتخلي عمّا يشين، لكان في ذلك للطالب كفاية وللمسترشد هداية.
وهذا تعليق مفيد، جامع فريد. جمعت فيه ما يسّره الله لي من حوادث الزمان، ووفيات الأعيان من الشيوخ والأقران، منذ مولدي سنة إحدى وأربعين وثمانمئة، وهلمّ جرّا. مفصلا في كلّ سنة على ما وقع لي، وحرّرته، وشاهدته، واعتمدته.