للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقراؤه (١) نحو ماية نفر فسلّم عليه، ثم توجّه إلى الشيخ تقي الدين، شيخ الإسلام فسلم عليه، ومعه بعض فقرائه، وبقية الفقراء على الباب. فقالوا لبعضهم: يفعل هذا في شيخنا، الشيخ مبارك، ويضرب ظلما، ورفيقنا في الحبس، اذهبوا حتى تخلّصه من الحبس. فراحوا إلى الحبس ليخلّصوا فقير الشيخ مبارك، فلم يمكّنهم الحبّاسون (٢) من ذلك، فعيّطوا (٣): ما يحلّ ذلك، فاجتمع الناس، فكسروا باب الحبس، فخرجت المحابيس، وهربوا وتفرقوا. فلما بلغ نايب الشام ذلك، ركّب مماليكه، وبقية العسكر، ولبسوا السلاح الكامل، ثم جاؤوا إلى باب الحبس، فهرب الفقرا منهم، والأعوام إلى الجامع الأموي، وأغلقوا أبوابه عليهم، وتركوا بابا/واحدا سيبانا (٤) لم يغلق، فدخل منه المماليك إلى الجامع الأموي، فضربوا فيه بالسيف، فجرحت من الناس، خلايق لا تعد ولا تحصى، ثم هرب الناس إلى سوق العنبرانيين على باب الجامع، فوجدوا بابها مغلقا، فأدركتهم المماليك، وضربوا بالسيف للخاص، والعام، والفقراء وغيرهم. فقتل بسوق (٥) العنبرانيين، وما حوله ما يزيد على السبعين، ومنهم من قطعت يده، ومنهم من قطع كتفه، ومنهم من قلعت عينه، ثم خرج المماليك إلى سوق (٦) السلاح، فنهب بعضه، وغلّقت أسواق دمشق.

وحصل من الرّعب والخوف ما لا يوصف، وصارت المماليك قاتلهم الله، كلّ من رأوا على رأسه ميزرا ضربوا عنقه، ثم عادوا إلى النايب وأخبروه بما وقع، فقال للمماليك وللأمراء: اذهبوا إلى القابون (٧) فانهبوه، فذهبوا إلى القابون التحتاني فنهبوه، وأخذوا حوايجهم، وقماشهم، ومواشيهم، ولم يتركوا لهم شيئا، وقتلوا من وجدوه، وهدموا زاوية الشيخ (٨) مبارك، وكلّ من رأوه لابس ميزرا على رأسه


(١) فقراؤه: هم أتباعه ومريدوه من المتصوفة.
(٢) في الأصل: الحبّاسين: وهم السّجّانون.
(٣) عيّطوا: أي ضجّوا بالصراخ الشديد.
(٤) سيب: ترك.
(٥) سوق العنبرانيين: قرب الجامع الأموي، من جهة الجنوب. تاريخ البصروي ص ٨٨. والكواكب السائرة للغزي ٣/ ١٣٢.
(٦) سوق السلاح: قيسارية سوق السلاح بدمشق القديمة جنوب الجامع الأموي. انظر: مفاكهة الخلان ١/ ١٦٤. وتاريخ ابن قاضي شهبة ١/ ٦٦١. النعيمي، الدارس ١/ ١٣٢،١٣٣،٣٢٥.
(٧) القابون: بلدة شرقي دمشق على طريق المسافرين إلى حمص وبها مسطبة السلطان. انظر: ابن طولون. مفاكهة الخلان ١/ ٣٤٤.
(٨) زاوية الشيخ مبارك: تقع في بلدة القابون التحتاني شرقي دمشق. انظر: شذرات الذهب للحنبلي ٨/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>