هُوَ الدُّعَاء إِلَى الدَّين فَلَا ينجينا مِنْهُ إِلَّا إجَابَته ومتابعته والتدين بِدِينِهِ وسلوك طَرِيقَته وَلِهَذَا قَالَت {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} بالهدية من قبُول أَو رد فعاملة بِمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِك وَذَلِكَ أَن بلقيس كَانَت امْرَأَة لَبِيبَة عَاقِلَة قد سادت الْأُمُور وجربتها وَقد طول الْمُفَسِّرُونَ فِي ذكر هَذِه الْهَدِيَّة فَلَا فَائِدَة فِي التَّطْوِيل بذكرها هُنَا ثمَّ ذكر سُبْحَانَهُ قصَّة رد الْهَدِيَّة وَطلب عرشها وإتيانه فِي طرفَة الْعين وتنكيره لَهَا إِلَى قَوْله {فَلَمَّا جَاءَت} أَي بلقيس إِلَى سُلَيْمَان {قيل أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} أجابت أحسن جَوَاب إِذْ لم تقل هُوَ هُوَ وَلَا لَيْسَ بِهِ وَذَلِكَ من رجاحة عقلهَا {وأوتينا الْعلم من قبلهَا وَكُنَّا مُسلمين وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين قيل لَهَا ادخلي الصرح} أَي الْقصر أَو الصحن أَو كل بِنَاء مُرْتَفع {فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة} أَي مُعظم المَاء وَقيل الْبَحْر {وكشفت عَن سَاقيهَا} لتخوض المَاء خوفًا عَلَيْهَا أَن تبتل فَإِذا هِيَ أحسن النِّسَاء ساقا سليمَة مِمَّا قَالَت الْجِنّ فِيهَا غير أَنَّهَا كَانَت كَثِيرَة الشّعْر فَلَمَّا فعلت ذَلِك وَبَلغت إِلَى هَذَا الْحَد {قَالَ} لَهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بعد أَن صرف بَصَره عَنْهَا {إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير} أَي مسقف بسطح {قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي} أَي بِمَا كنت عَلَيْهِ من عبَادَة غَيْرك {وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان} مُتَابعَة لَهُ دَاخِلَة فِي دينه وَهُوَ الْإِسْلَام {لله رب الْعَالمين}
أخرج ابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس فِي أثر طَوِيل أَن سُلَيْمَان تزَوجهَا بعد ذَلِك قَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة مَا أحْسنه من حَدِيث قَالَ ابْن كثير فِي تَفْسِيره بعد حِكَايَة هَذَا القَوْل بل هُوَ مُنكر جدا وَلَعَلَّه من أَوْهَام عَطاء بن السَّائِب على ابْن عَبَّاس وَالله أعلم