وأما صلاح الدين فإنه اعتقد أن ولد نور الدين يتولاه بعده أخوة مجد الدين وهم أصدقاؤه وخلصاؤه، وغارلهم والملك النوري، وقال: أنا أولى بحفظه وصونه، وكتب إلى شمس الدين بن المقدم ينكر ما أقدموا عليه من تفريق الكلمة وكيف أجترأوا على أعضاء الدولة وأركانها بل أهلها (١٧٧ب) وإخوانها وأنه يلزمه أمرهم أمرها، ويضره ضرهم وضرها فكتب ابن المقدم إليه يردعه عن هذه العزيمة ويقبح له استحسان هذه الشيمة ويقول: لا يقال عنك أنك طمعت في بيت من غرسك وأصفى مشربك، وأضفى ملبسك فما يليق بحالك ومحاسن أخلاقك وخلالك غير فضلك وأفضالك فكتب إليه صلاح الدين بالإنشاء الفاضلي: وصل كتاب الأمير أطال الله بقاءه، وأحطنا بإنشائه والمكتوب وما نريد معرفته أنا لا نؤثر للإسلام وأهله إلا ما يجمع شملهم ويؤلف كلمتهم، وللبيت الأتابكي إلا ما يحفظ أصله وفروعه، ويدفع ضره ويجلب نفعه، فالوفاء إنما يكون بعد الوفاة، والمحبة إنما تظهر آثارها عند تكاثر العداة، وبالجملة أنا في واد والظانون ظن السوء في واد، ولنا من الصلاح مراد لن يبعدنا عنه مراد، ولا يقال لمن طلب الصلاح أنك قادح ولا لمن ألقى السلاح أنك جارح وما مرادنا إلا مصلحة تؤثر لا فتنة تثار، وخدمة تنير لا مضرة تسدى وتثار فلو زرنا على غير هذا السبيل لما سلكنا مراجعة الخطاب ومطالعة الكتاب فلا يحمل أمرنا إلا على أحسنه، ولا يظن بنا إلا الخير الذي طبعنا أخص بوجوده من معدنه.
قال: وكان عزم صلاح الدين أن يسارع إلى التلاقي، ويعتمد في إصلاح الدولة وإنجاح البغية اعتماد الوفى الوافي، فاتفقت عوايق وطرقت طوارق راعت مباديها ثم أحمدت غاياتها، وانحلت بعد الملمات المدلهمات غياباتها فمنها نوبة الكنز ونفاقه أسطول صقيلة ووصوله إلى ثغر الإسكندرية وأرهاته، وكان وصولة إليها في السادس والعشرين من ذى الحجة تسع وستين وانهزامه مستهل المحرم سبعين.