للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ووجدت كتابا من صلاح الدين إلى بعض أمراء الشام بشرح الحال وهو: هذه المكاتبة صادرة من الأمير بعد أن وصل الأسطول الصقلى إلى ظاهر ثغر الإسكندرية حماها الله تعالى في وقت الظهر من يوم الأحد السادس والعشرين من ذي الحجة ولم يزال متواصلا إلى وقت العصر وكان ذاك حين غفلة من الموكلين بالنظر لا على حين خفاء من الخبز فأمر هذا الأسطول توالت به الأخبار وعظمت الشناعات عنه في الأفاق والأقطار وروع ابن عبد المؤمن في البلاد المغربية وهدد به في الجزائر الرومية صاحب قسطنطينية وكان عسكر الوالي غايباً ولم يحضر في ذاك اليوم إلا العدد القليل منه وأصبحوا في يوم الاثنين الذي يليه على ما هم عليه من انتشار راجل الثغر فأشار جماعةً من عقلاء الأتراك بأن يرد الناس من المكان البعيد ويقفوا من السور من المكان القريب فخلا البر وأمكن الأسطول الصقلى في النزول الأمر، واستنزلوا خيولهم من الطر أيد ورجالهم من المراكب فأما الخيل فعدتها على ما يرام ما حققته أخبار الأسارى على الانفراد وعلم بالارجاف السابق إلى البلاد ألف وخمسمائة رأس منها رامحة ألف وتركبولية خمسمائة وكانت عدة رأجلهم في كل شيء مائة وخمسين راجلاً فيكون ثلاثين ألف مقاتل عن شيء وكانت عدة الطرايد ستا وثلاثين طريدة تحمل الخيل وكانت عدة السفن التي تحمل آلات الحرب والحصار من الأخشاب الكبار وغيرها ست سفن وكانت عدة المراكب الحمالة برسم الازورار للرجال أربعين مركبا وفيها من الراجل المتفرق وغلمان الخيالة وصناع المراكب وأبراج الزحف ودباباته المنجنيقية ما يتمم خمسين ألف راجل ولما تكاملوا نازلين على البحر خارجين من البحر حملوا على المسلمين حملة لم يكن حاضرها من أصحابنا سوى محمود بن البصار فاستشهد في سبيل الله واستمرت الحملة على المسلمين إلى إن أوصلتهم إلى السور وجدفت مراكب الفرنج داخله إلى الماء وكانت به مراكب مقاتله ومراكب مسافرة فنسبقهم أصحابنا إليها فخسفوها واغرقوا ما احترق منها واستمر القتال إلى وقت العشاء من يوم الاثنين المذكور ونزلوا بخيامهم وضربوها على البر وكانت ثلاثمائة خيمة وباتوا على الاهتمام بالات الحصار ولما أصبحوا يوم الثلاثاء زحفوا وضايقوا ونصبوا ثلاث دبابات وثلاثة مجانيق كبار تضرب بحجارة سود استصحبوها من صقيلة وإما الدبابات فإنها تشبه الأبراج في جفاء أخشابها وارتفاعها وكثرة مقاتليه مقاتليها وزحفوا بها إلى أن قاربت السور ولجوا في القتال عامه النهار ووردنا الخبر إلى منزلة العسكر بفاقوس على جناح الطاير يوم الثلاثاء ثالث نزول (١١٧٨) العدو فاستنهضنا العساكر إلى الثغرين الاسكندريه ودمياط وكان الأميران بدر الدين أيوب وفارس الدين تميزك فتسبقا إلى الإسكندرية برجالهما ونضاف إليهما من كان في إقطاعه بالبحيرة المجاورة للإسكندرية من المقاويد وغيرهم في يوم الثلاثاء والأربعاء وعاد بعض عسكر تقي الدين من برقه من الغرب واستمرت الحرب وقدمت الدبابات وضربت المنجنيقان وزاحمت السور إلى إن صارت منه بمقدار الاماح فاتفق أصحابنا على إن فتحوا أبوابا من قبالتها من السور ففتحوا الأبواب على غفلة وخرجوا منها على غزة وركب من كان هناك من الأمراء والخيل وخرجوا فارين من الأبواب وتكاثر صياح أهل الثغر من جميع الجهات فاحرقوا الدبابات المنصوبة وصدقوا القتال وانزل الله على المسلمين النصر وعلى الكفار الخذلان والقهر. وما زالت المكافحة بالسيوف إلى وقت العصر من يوم الأربعاء وقد ظهر فشل الفرنج ورعبهم وقصرت عزا يمهم وفترت حربهم وأحرقت آلات قتالهم ودخل المسلمون إلى الثغر لقضاء فريضة الصلاة واخذ ما يكون به قوام الحياة وهم على نية المباكرة وكنا قد سيرنا احد المماليك فركب فرسنا وجنب فرسين فأوقف الثلاثة طاويا واخذ رابعا من ضيعته ودخل الثغر بعد العصر بعد إن اعلم كل من لفيه من الأتراك انه فارقنا على المعدية وسبق بين أيدينا بالبشارة فارتفعت الصيحة وعلت وخرجت الخلايق التي كانت للصلاة والعشاء دخلت وثابت إليها عزيمتها بعد الكلال، وتداعت رجالها وقبائل الثغر إلى القتال وأوقع الله في قلوب المسلمين أنا في أوساطهم وبين ظهورهم، وصار الخارج من بيته يروم أن يتسرع ليجاهد بين أيدينا، ولنرى أثر الذي كان يرجوا أن يصل خبرة ألينا وقضى الأمر ونزل النصر وواقعوا الفرنج في خيامهم

<<  <   >  >>