ولعل الفكر الإنساني لا يعالج مرحلة تزيد في خطرها وخطورتها على قضية القومية والدولية. والإنسانية لا تزال في دور التمخض، فقد تجهض أو تلد رجعية في اعتبا آخر، أو تلد تقدما في اعتبار آخر، ومهما يكن في الأمر فأن الحياة الاجتماعية تتأثر كل التأثر من هذه العناصر، آية ذلك الحروب التي يشنها قوم على قوم، والغزوات التي تحققها أمة ضد أمة ونحن لا نحكم هنا على الحقيقة القومية والاتجاهات الدولية، بل نريد الإشارات أولاً إلى معنى المنظمات الدولية المتتابعة، تنتقل مراكزها من لاهاي إلى جنيف إلى سان فرانسيسكو أو نيويورك احتمالاً. وهدفنا ثانياً إظهار ما يعرض لبعض مسائل التربية من حلول موقوتة، بعضها يعالج في المنظمات الدولية، وبعضها يترك للجامعات الدولية الضيقة أو الواسعة، وبعضها الأخر يحل على أسس القومية المستقلة الخالصة.
الواقع والتربية
بيد إن الجماعات الإنسانية تشترك اليوم في صفة ثابتة من الجهة الواقعية، إلا وهو وجود الدول الكثيرة على وجه الأرض، بعضها أقوى من بعض، إن ماديا وإن فكريا، وقد ألفوا وألفنا أن ندعو القوي منها باسم الدولة الكبيرة، كأن القوة والعظمة صنوان. والى جانب الدول الكبرى التي لا تستأثر بالوجود حتى الآن، وان كانت إلى ذلك تميل، وقي سبياه تسعى، عن شعور ولا شعور، يوجد دول نسميها بالدول الصغرى، ومن المنطق الرياضي تمييز دول متأرجحة نعرف بالدول المتوسطة، ونصيبا غريب عجيب!
إن الفكر الأنساني الذي يقر وجود الدولة في كل مجتمع واقعي، يقر ذاته إن التربية وظيفة من وظائف المجتمع، ما دامت الدولة تنظم الحياة الاجتماعية بوجه عام، فيجدر بالدولة إحقاق التربية، ولا يحسن ذلك بغيرها.
أغراض التربية
ومهما تفاوتت صفات التربية في الأمم المختلفة، فأنها تتقارب في بعض الخطوط العلمية ولكنها تتحد في أصلها الاجتماعي، وهدفها الاجتماعي ووسائلها الاجتماعية. فالتربية وظيفة لا تنفصل عن المجتمع، وهي ضرورة إنسانية في الدرجة الأولى. ومن المعلوم إن الطفولة عند الإنسان اكبر مدة منها عند صغار الحيوانات. وكأن الطبيعة تمهد للحياة الاجتماعية ذاتها، فلذلك جعلت الآباء والأمهات يجهدن في العناية بالطفل، ويغرزون عنده الميل