ومن خصائص الحقيقة الاجتماعية أن الحادثة ذاته يكون نتيجة في اعتبار، ويكون سبباً في اعتبار أخر. وهذا دأب الوظائف الاجتماعية كلها. فالدولة مثلاً نتيجة الحياة المشتركة، وهي بوجودها ذاته سبب مباشر لإحداث الوظائف الخاصة بها، والناتجة عنها. ومثل ذلك مفهوم الوطن والأمة والقومية و. . .
ونحن نقتصر في هذا المقال على بيان ما يربط وجوه الحياة الاجتماعية بعضها ببعض، وعندنا أن أشكال التنظيم الاجتماعي هي أحسن معيار يدل على درجة مجتمع ما من الرقي والتمدن. فالجماعة الابتدائية، والجماعة القديمة، والجماعة المعاصر، والجماعة المتمدنة، كلها تختلف لا من حيث الطبيعة والنوع، بل من حيث الدرجة والشكل.
الوطن
ولكن ما يجمع هذه الأشكال كلها، ويبقى مستمراً مادامت، هو مفهوم الوطن، فهو وحده أصل لها، وهي تجسده وتجعله محسوساً ملموساً، وبهذا المعنى يسوغ لنا اعتبار الوطن، والعاطفة الوطنية، أساساً ترتكز إليه الوظائف الاجتماعية، والوطن هو مصدر تعلون الأفراد وتنافسهم، وفي حدود يكون التعاون واجباً، والتنافس مشروع. أما إذا قصر التعاون عن أرضاء غاية الوطن أو غلا التنازع حتى مزق الوطن، فنيت الجماعة وباد أهلوها من الوجود، فذهبت ريحهم بذهابه، وأصبحوا أثراً بعد عين.
الأمة
فلا غرو أن يكون الوطن أكثر ألاعتبارات الاجتماعية ذيوعاً_وقدسية_بين مختلف الجماعات الإنسانية، وهو أيضاً أكثرهم اتصالاً بالواقع المشخص المستمر. غير أن مفهوم الوطن حين ينظر إليه من الواجهة العلمية والتاريخية يلبس حلة الأمة، ويمثل في الأفراد أنفسهم، ومن قضى منهم. ومن لا يزال على قيد الحياة، ومن يتحمل له الوجود اجتماعية لها وجوه متعددة، كاللغة القومية دائماً، والدين قديما، والقانون من الدستور إلى النظام حتما، فضلا في ذلك عن التاريخ والأرض والمادة البشرية التي يجمعها أبناء الأمة الواحدة، وأفراد الوطن ذاته.