واتضحت مفاهيم الأهداف السامية، ومن ذلك إيمان الإنسانية بما تسميه المدينة. وهي الشعلة القصوى التي تجمع الآن أبناء النوع الإنساني مهما أمعنوا في التأخر، أو بالغوا في التقدم. فهي غايتهم وإن طالت إليها الطريق أو قصرت.
روح المدينة
والمدينة هي غير الحضارة على كل حال، ولسنا نود هنا إظهار الفوارق بينهما، وبلغتنا الإشارة إلى تفاوت المفاهيم الإنسانية في التركيب والتعقد، وليس مفهوم المدينة أكثرها بساطة وسهولة. وعندنا أن روح المدينة تلخص في استباق الفكر للعمل عن طريق التنظيم. وهذه الروح هي التي تربط_في رأينا_الغاية بالوسيلة، والنهاية بالطريق، فإذا كانت المدينة غاية الإنسانية اجتماعياً، فإن روحها تقوم على التنظيم، ومن وسائلها الفعالة عملياً، بل وسيلتها الاجتماعية بوجه عام، التربية بالمعنى الذي تشير إليه هذه الكلمة في رأس هذه المقالة.
طبيعة المجتمع
ألف الإنسان فهم طبيعة المجتمع على أساس إقامة الموازنة بين شعور الفرد وشعور الجماعة، وأبسط الأقوال في هذا المضمار أن تنظر إلى الحياة الاجتماعية نظرتك إلى الحياة النفسية. وهذا أصل الرأي القائل بأن المجتمع عبارة عن وجدان وشعور، كما أن حياة النفس وجدان وشعور. ومن الباحثين من يتابع الموازنة القياسية فيقول أن الحيات الاجتماعية ذات عقل وعاطفة وإرادة، مثل الحياة الفردية الشخصية. وكما أن اللاشعور النفسي حقيقة تعمل عملاً هاماً في حياة العقل الوعي والعواطف الظاهرة، والعزيمة الصادقة، فكذلك يعتقدون أن المجتمع يتمتع بمعجزات اللاشعور الاجتماعية، وكان له عقلاً باطناً يأتي بالسحر والعجائب ويكاد من حيث هو يلفت من ريقه الدراسة والبحث. غير أن التحريات العلمية والحديثة تنموا نمو جديداً، فتنظر إلى المجتمع نظرتها إلى موجود حي له خصائص مميزة وسلوك خاص، وقوانين. وعلى ذلك فإن المجتمع جملة متماسكة من الوظائف الناشئة عن الحياة المشتركة. ولا مجال لإنكار هذه الوظائف، إذ لا يمكن تجاهلها، والتعامي عن الاعتراف بها. وعند أصحاب الرأي السديد من العلماء تظهر فكرة الوظائف الاجتماعية بثوب البداهة واليقين. فهي لا تقبل الشك ولا تتعرض لضعف الاحتمال.