الاهتمام اللازم، ولا داعي وصف نفسية المراهق، في هذا البحث بصورة دقيقة، ومعرفة خفاياها، إنما أرغب على الأقل أظهار بعض صفات بارزة خاصة بهذه المرحلة من النمو.
ولنحدد قبل البدء بالبحث سن المراهقة: لقد اختلفت آراء العلماء في تحديدها كماً ولم يختلفوا في تحديدها كيفياً. فهي فترة الأزمة في الميل إلى الغريب - تبدأ هذه الأزمة منذ البلوغ أي بعد انتهاء سن الطفولة وتضمحل حوالي الثامنة عشرة إلى الحادي والعشرين أي مع ابتداء سن الرشد، وهي اضطرابات نفسية تنتج عن تغير عميق في الحيلة العقلية، تزول حينما يتمكن المراهق من التكيف مع المحيط.
تطول مدتها أو تقصر بالنظر للأشخاص وطرز حياتهم، تقصر مدتها لدى الفتيان الذين يدخلون معترك تدفعهم الحياة بصورة مبكرة، تدفعهم إلى ذلك حاجة ماسة (كسب الرزق مثلاً). وتطول مدتها حينما يمدد الطالب أيام دراسته. ومع ذلك فإن كل اضطراب يزول منهما امتدت الأزمة.
تبدأ الأزمة مع تكون الوظيفة التناسلية فتنقبض النفس انقباضا عذباً ويتطلع المراهق إلى المستقبل. تتفتح آفاق الثقافة والحياة الاجتماعية، وتزيد الحساسية التناسلية وتتكامل في سكون تأملي يرافقه تفكير ساذج. يتولد لديه ذوق في الأحلام، والحياة الشاعرة، التجرد، ويصبح إحساساً لدرجة مرضية.
ظهور الأزمة وتطورها
يمكن تحديد ظهور الأزمة في سن / ١٥ / عند الشباب و / ١٤ / عند الفتيات. ولقد دلت أجوبة الشباب وما سجلوه في مذكراتهم وذكريات الراشدين بعد مرورهم بمرحلة المراهقة على حقيقة ما ذكرناه. وهناك حالات شاذة، إذ تظهر الأزمة متأخرة حوالي (١٦ - ١٨) أو متقدمة حوالي (١١) وتظهر إذن مع البلوغ ونطلق عليها اسم - البلوغ العقلي أو الروحي. فالمراهقة تبدو لنا على شكلين أولهما فيزيولوجي، أي تكامل الوظائف التناسلية والثاني نفسي وعناصره هي ظهور الشخصية، والميول الاجتماعية واكتشاف القيم الروحية.
ولا شك بأن البلوغ النفسي هي تكوين للإنسان، وليس للأزمة من ضرورة إذا لم تظهر الشخصية والشعور بالذات. إن احتكاك المتبادل بين الأفراد وملاحظة الواحد الآخر والحب والنفور، والخوف أو الرضى كلها عوامل في تكوين البلوغ الروحي، ولا تكون هذه