إلى قطعة المعجونة كلما طلب إليه تحويلها وتغييرها، فهو يفكر أنه يلعب، ولكنه في الحقيقة يقرأ ويكتب ويرسم، ويتعود الطلاقة في التعبير، والاعتماد على النفس، والإقبال على العمل بهمة ونشاط أثناء اللعب.
ثم انتقلنا إلى غرفة علق الأطفال فيها معاطفهم، ومنها إلى حديقة مرتبة، منظمة، حاوية على أزهار مختلف الفصول وعلى أشجار منوعة يستطيع الأطفال أن يستظلوا بها ويلعبوا تحتها. . فالطفل يوجه نظرة إلى الجميل حتى في الحديقة كما يتعلم آداب المائدة في غرفة الطعام التي لم تقل العناية بها عن العناية ببقية الحجر من حيث الأثاث واللون والرسوم.
وفي الروضة أيضاً أصونة كثيرة تحوي ألعاباً تكوينية منوعة توضع بين أيدي الأطفال وقت الحاجة، وجميع الوسائل التي لها علاقة بتربية أعضاء الحواس عند الطفل حتى تكون أنواع الإحساس التي تصل إلى النفس صحيحة صالحة لأن تكون أساساً للمعلومات.
فروضة الأطفال هذه تربي الطفل جسمياً وعقليا وخلقيا واجتماعيا وجماليا بطريقة ظاهرها لهو ولعب وباطنها عمل وجد. رأيت فيها حركة مستمرة، تدل على عمل منتج مثمر، ونشاط دائب، وتعاون ظاهر، وتقدم محسوس، ونجاح باهر.
لقد ذكرتني بأيام طفولتي، وبالسجن (المدرسة) الذي كنت أدخله صباحاً مكرهاً وأخرج منه مساءً فرحاً، لأنه كان يحصر فيه عقلي، وتكبل يدي، ويقيد جسمي. ذكرتني بالظلم الذي كنت أقاسيه، والعصا الغليظة التي كانت تنهال علي، والكلمات النابية التي كنت أسمعها من معلمي، والحقائق من المعلومات التي كانت تملى علي. فتألمت! ولكن سرعان ما ذهب الألم لما تذكرت أن ابني في الروضة يرتع ويمرح وكأنه يثأر لطفولة أبيه التي قضاها في الظلام في مدرسة تسير سيراً مطرداً في سبيل النجاح، وتتقدم تقدماً مستمراً لبلوغ أسمى الغايات.
فعسى أن تهتم وزارة المعارف بتعميم رياض الأطفال وتغذيتها بالعناية وبالمال وبالأثاث وتهيئة الوسائل الحديثة التي تفتقر إليها هذه المؤسسات الحيوية النافعة، وتنشئ عدداً كبيراً منها في جميع أنحاء الوطن ليتمتع أبن الفقير بما يتمتع به أبن الغني.
فرياض الأطفال ترعى الأحداث الرعاية التامة، وتدير شؤونهم في السنوات الأولى من حياتهم، وتؤهلهم للحياة في المدارس الابتدائية، ولا سبيل إلى إصلاح المدارس إلا بتأسيس