طرده وخذلانه، تسلقه ألسنتهم تدمير حجارتهم وتصم آذانه أصوات حناجرهم: وآل التعاون إلى ما يؤول إليه كل تعاون على البر، فزال الأجنبي ولكن الغرائز المكبوتة لم تزل والعضلات الضامرة لا تنفك بحاجة إلى رياضة، والحناجر الغضة لا بد لها من الاستمرار في المران. . .
لقد تمرد هؤلاء الأبناء على آبائهم وتحللوا من طاعتهم، ومن آباؤهم؟ جهلة لا يعرفون العلوم العصرية ولا يوطنون بالغة الأجنبية، وهم بعد في شغل عنهم: الآباء في المقاهي والأمهات في الحفلات، والجو المنزلي لا حب فيه ولا تعاون. وبعد أتحسب أنني استعرضت لك جميع عيوب الجيل؟ لا، أنا لم أذكر إلا أهونها.
قيل أن (روسو) فكر في خير السبل لتحقيق مبادئه في الإصلاح الاجتماعي والسياسي فوجد أنجحها تهيئة جيل مستعد لهذا الإصلاح عن طريق التربية، فهل مدارسنا تعمل على ذلك؟
لقد ذهب أبن الجيل إلى المدرسة_وقد رأيت تراثه الضخم بالعلل الخفية والظاهرة_فماذا وجد فيها؟
وجد فيها الحساب والهندسة والجبر والفلك والمثلثات والفيزياء والتاريخ الطبيعي والتاريخ والجغرافية الخ. . . . لكنه لم يجد لم يجد ما يقوم نقائصه ويسدد خطاه. أن كل شيء يسير في مدارسنا كما لو كان التلميذ فيها سوياًً حلوقا بريئاً معتدل المزاج. . . . يحتاج فقط إلى كمية لا بأس بها من المعلومات، وكأن مشاكل المجتمع لا وجود لها وكأن جميع تلك العلل لا أثر لها.
أنا أفهم المدرسة بأنها (تأخذ الطفل كما هو وترده كما يجب أن يكون).
أنا أفهم المدرسة بأنها مكان يصلح فيه ما أفسده المجتمع فتدرس فيه أخلاق كل تلميذ ومواهبه وميوله وعواطفه وتوجه الوجهة الحسنة.
مجتمعنا بعوزه التعاون ونحن نعود الأبناء في المدارس على التنافس والتزاحم وكان بوسعنا أن نعلمهم التضامن المبدع في الألعاب الرياضية والأشغال والمشاريع المشتركة.
مجتمعنا يعوزه الحب الصحيح فهل في مدارسنا آثر لهذه الحب بين التلميذ ورفاقه وبين المعلم وتلاميذه؟