إن مدارسنا تحوي على مقاعد وألواح ومناضد وخزن وكتب ودفاتر. . . . وفيها معلم يتكلم ويسمع وتلامذته يتكلمون ويسمعون، وأي شيء من ذلك يمت إلى الحياة بصلة؟ إننا اليوم نعلم (بالجملة) لا (بالمفرق)، نسوق تلامذتنا كالقطيع بعصا واحدة، مدارسنا_في وضعها الراهن_معامل لإخراج أصحاب شهادات أي تجار علم لكنها لا تخرج علماء ومفكرين، لم تعجب لعقمنا في الإنتاج الأدبي والعلمي؟ هل يكون الإنتاج إلا بالمطالعة المستمرة وهل أساليبنا في التعليم تعود على ذلك؟ من المقبول أن تكون الجامعات مركزاً (لتعليم البحث) ومن المقبول أيضاً أن يكون (نصيب التعليم) أكبر من (نصيب التربية) في المدارس الثانوية أما في المدارس الابتدائية فيحسن أن يكون رائدنا فيها قليلاً من التعليم مع كثير من التربية)، بل يمكن أن نكتفي بالمدارس الابتدائية بالمهنتين الأساسيتين: القضاء على (الأمية الأخلاقية).
نحن نبالغ جداً في فائدة التعليم في المرحلة الابتدائية فنفرض على الطفل أن يتعلم فيها الأسس الأولى لجميع العلوم، فمت إذن نتفرغ لمراقبة نمو ملكاته ونزعاته وتكون عاداته وأخلاقه؟ لقد أخذنا أمداً طويلاً بالحكمة القائلة (العلم في الصغر كالنقش على الحجر)، فهل أنت معي قي زيادة كلمة واحدة على هذه الحكمة فنقول (العلم في الصغر كالنقش بالماء على الحجر)!؟
لست أميل إلى التربية_روسو_السلبية فأرغب في ترك الطفل للطبيعة حتى سن الثانية العشر، وإنما أحسب إننا نحسن صنعاً في إهمال التعليم المحض إهمالا كبيراً حتى سن التاسعة على الأقل. . . .
أيها السادة المعلمون أنا أعرف حق المعرفة صفوفكم المكتظة بمئات الكتل البشرية التي نسمها الأطفال. وأعرف حق المعرفة تعزر القيام بعمل تربوي في صفوف كهذه يمكن أن نسميها كل شيء إلا أنها صفوف مدرسة. وهذا موضوع المناقشة، فهل تستمر على سياسة (الكم) في التعليم أم نجنح إلى سياسة (الكي_ف)؟
يزيد أطفال سورية سنوياً خمسة وأربعين ألفاً، وتعليمهم يقتضي كل عام زيادة ألف معلم وفتح مائة مدرسة على الأقل، فكيف السبيل إلى تعميم التعليم مع تطبيق الأساليب التربوية الحديثة؟