وعرف الوراقون أن الجمهور جائع فوصفوا له المسكنات المثيرات واغتنموها فرصة لترويج بضاعتهم وصدروا المجلات بالرسوم العارية والأوضاع النابية الخشنة ودافعوا عنها باسم الفن وتذوقه وليس بمثل هذا الشكل يحبب الإعجاب بآيات الفن وروائعه. وهكذا فقد ملأت الغريزة الدنيا وشغلت الناس.
انعزال ريفي: ونأت القرى عن المدن فإذا هي في انعزال قائم. فبينا المدن في تطور نجد القرى ترسف في قيود القديم، فريسة الأمراض والفقر والجهل. ولعلكم تؤمنون معي أن المعلم وهو غالباً من أبناء المدينة، عندما يعين للقرية لا يلبث أن يسعى للفرار منها بشتى الوسائط. وربما نجد له عذراً في ذلك. فاختلاف الحياة وعدم توفر الضروري اللازم من الرفاه له ولعائلته يضطرانه لترك القرية على ما فيه من حسن نية.
ويزيد في انعزال القرى أن طرق المواصلات لم تتيسر بعد لأكثرها. ناهيكم أن المواصلات بين المدن ما زالت في حركة بطيئة وعدم انتظام. ومع احترامي لشركات النقل وما كتب على البوسطة من خمسة عشر شخصاً وفيها خمس وعشرون وما زينت به من خرز وأحيطت به من حجب وتمائم، فهي تأبى أن تقطع الطريق بين حلب ودمشق إلا في يوم كامل ولا ننزل إلا وكأننا خرجنا من علبة سردين.
الخاتمة
هذه هي اللوحة التي أردت عرضها عليكم. وهذا واقعنا الاجتماعي فهل يجب أن نستسلم له ونرضى بالتطور البطيء ونقول ليس في الإمكان أبدع مما كان أو نعتقد أننا لا نستطيع به حراكاً. إن واقعنا فرضه علينا جور الطبيعة وظلم الإنسان. ولا ريب أن شرائط الحياة العامة التي كانت تسيطر على نشاط السلف أصبحت مغايرة للشروط التي نحن فيها الآن. نحن نعيش في زمن يتطور فيه الفكر الإنساني بخطى واسعة، ويتغير كل شيء بسرعة البرق. وان أمواج الحياة التي تتدافع حولنا تسير دوماً إلى الأمام نحو اكتشاف عالم مجهول. وقد يكون من خطل الرأي أن نقف حائرين أو نبقى منطوين على أنفسنا دون أن نسير مع مقتضيات العصر فنبدل عقليتنا ونماذج فاعليتنا، وننظر إلى الأشياء بنظر العقل والتأمل لا بنظر العفوية والتقليد. إن المنطق والضرورة يحتمان علينا في هذا العهد