واستحال مع الأيام جمع المال لمنفعته فصار يجمع لذاته وتكدست الثروة بأيدي أناس لا يستخدمونها بل ليقال عنهم أغنياء.
انعزال المرأة: وهذا الحادث قريب يرجع عهده على عصر الانحطاط في الدولة العباسية. وتوالي الغزو والفتح والغارات كثيراً ما كان مصحوباً بالخوف من السبي والاعتداء على الأعراض. فحجبت المرأة خوفاً عليها وأصبح من العادة أن تبقى بعيدة عن الحياة العامة، وحرم المجتمع من عطفها وحبها والاستفادة من مواهبها. وانزواؤها أدى إلى جهلها وفقدان شخصيتها.
وليت الأمر بقي عند هذا الحد إذ إن غيابها عن المجتمع المدني كان له تأثيره في العواطف الاجتماعية وانتقل صداه إلى الأدب والأغاني. فغدا الأدب يبكي والغناء يذرف العبرات. وفي كل ذلك حنين إلى المرأة وشوق إليها.
ونتج عن قلة المعاشرة والاختلاط أن جهل كل من القطبين نفسية الآخر ففسد الذوق ونقصت الشجاعة الأدبية، وتفاوت مقياس المحادثة والنقاش فإما أن يبلغ من الصفاقة درجة الوقاحة، وإما أن يبلغ من الانحلال درجة الارتعاش والخوف والخجل على مختلف ألوان الطيف الشمسي.
وتبدل سلوكنا أيضاً بحرمان المجتمع من المرأة فأصبحنا حذرين قلقين وسوء الظن رائد أعمالنا وصرنا نعتقد أن اجتماع الجنسين مفسدة للأخلاق وإن من الأخلاق أن نحول دون أي تقارب بينهما، ودبت في قلوبنا الغيرة فإذا ما رأينا قلبين متحابين بعثنا في طريقهما العيون والأرصاد، وأرسلنا الحرس الجنسي المتحرك في كل مكان ليأتينا بالأخبار ويأتيك بالأخبار من لم تزود!
فإذا رأينا مثلاً فلانةً تخاطب فلاناً في الشارع بنينا قصوراً من الخيال لا حقيقة لها في الواقع، واتهمناها بأبشع الصور وربما نقضي بلغطنا على مستقبل الفتاة فلا يتزوجها أحد. وكأننا اعتدنا أن نشوه الحقائق ونستهجن رؤية الرجل والمرأة ونفهم أن اجتماعهما ليس معناه سوى الانحدار إلى مستوى الغرائز.
وأدى بناء الأخلاق على الغريزة إلى الكبت ففسدت أخلاق الرجال كما فسدت أخلاق النساء، وانتشرت العادات السرية وانحرفت الميول دون تهذيب أو تصعيد. وهذا الانحراف