انعزال طائفي: فرغم التسامح الذي نقرأ عنه في كتب التاريخ ونلمس أثره فما زالت هنالك فوارق ظاهرة على التكتلات المذهبية والمعسكرات الدينية. ولئن زال الخوف فما زال الحذر والحيطة يعملان عملهما من وراء ستار. أضف إلى ذلك أن الفارق العقلي والاعتقادي ونمط العيش تجعل هذه العناصر لا تمتزج مع بعضها امتزاجاً كافياً إذ ما زال كل منها يتقيد بقيود التقاليد الموروثة كعدم الزواج مثلاً من العنصر الآخر مثلاً وإتباع الوساطة الروحية في التوظف والسياسة والإدارة.
انعزال ثقافي: نشأ عن الإقبال الشديد على العلم في فترة ما بين الحربين وتأليف طبقة جديدة في المجتمع أسميها أرستقراطية العلم وحملة الشهادات وقد انعزلت هذه الطبقة لعدة أسباب: منها أنها رأت نفسها عالمةً في جمهور ما زال أكثره جاهلاً وأمياً فترفعت عنه وانصرفت إلى عملها اليومي، أو ملأت الأندية والمقاهي بالانتقاد والكلام دون أي عمل مجد، أو أنها اعتقدت قي صميمها أنها غير قادرة أن تعمل عملاً في هذا المجتمع وذا خطأ فادح، أو أنها انمحت وانسحقت أمام قوة الغرب وتصاغرت فكانت ضعيفة الإيمان، أو أن جهودها كانت مبعثرة دون أي رابط يجمع بينها فأخفقت وتقلصت وشعرت بثقل المحيط عليها وثقلها على المحيط.
ونشأ عن هذا الانعزال الثقافي احتكار سياسي قائم على سياسة الارتجال وتطبيق زعماء الأحياء وأصحاب النفوذ وتبادل المنافع. ولو أن أهل الفكر منا وحاملو العلم فينا اتصلوا اتصالاً وثيقاً بالأوساط الشعبية وضحوا وبذلوا من علمهم وفكرهم كما بذل غيرهم من ماله ودهائه وجهاده لقادوا الجماهير عن تبصر ووعي ولما شكوا سوء حظهم وابتعادهم عن الحياة السياسية. وقد حان الوقت الذي يجب أن يسمع فيه العلم صوته ويفرض صاحب الفكر إرادته وعقله.
انعزال الثروة المتحركة: بأيدي طبقة معينة من أبناء الأمة. وسبب ذلك أن الحوادث التي مرت على سورية من فتح وغزو وما إليها من نهب وسلب قد سحبت الثقة من السلطة الحاكمة والمجتمع فضعف استخدام المال في المشاريع العامة ويزيد في ذلك أننا لم نرب تربية اجتماعية تجعلنا نؤمن بفائدة هذه المشاريع أو نظيرها من المشاريع الخيرية.