وهذه الفرق تمتد في بلادنا إما بشكل واحات واسعة أو بشكل جزر قائمة وسط هذه الواحات.
وهذا ناشئ عن الشروط التاريخية التي ساعدت على امتداد بعضها وتقلص الأخرى. وفي كلتا الحالتين دليل على حب المحافظة والتمسك والتساهل والتسامح.
أثر العوامل
في مثل هذه الشروط من طبيعية وبشرية نشأ الشعب السوري وتربى وكبر حتى وصل إلى يومنا هذا، وكأني بهذه الشروط قد جزأت وسطنا الاجتماعي إلى كتل متناثرة هنا وهناك، أو متلاصقة مختلفة الألوان، وأعتقد أنه من الصعب أن نكون في ذهننا فكرة واضحة عما نسميه السوري المتوسط. والانعزال صفة بارزة مميزة لوسطنا الاجتماعي. وتتجلى بالمظاهر الآتية:
انعزال الحرية: نحن في بلد استحكمت فيها العادات فغدت قوانين، وغلب عليها العرف فصار حاكماً، ورغم تحررنا من نير الأجنبي فما زلنا أسرى التقاليد لم نتحرر من قيود الماضي ولم نطلق لأنفسنا العنان في التفكير الحر. والحرية ما زالت نظرية تدرس في الكتب ولا أثر لها في حياتنا الاجتماعية. ولسنا آمنين على أنفسنا ألا يصلنا أذى إن تكلمنا بصراحة حسبما يمليه علينا وجداننا.
والمجتمع يضغط علينا بقوة هائلة حتى يكاد يضيق علينا أنفاسنا. وما زلنا نخشاه ونحسب له ألف حساب. ويعزز هذا الشعور ما تلاقيه كل حركة تجددية من مقاومات فإن طالبت بتغيير وضع من الأوضاع وبينت للناس سوءه حاربوك بشتى الأسلحة. فهذا يحاربك باسم الدين، وذا باسم الوطنية وذا باسم ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ولعلك إن سلمت من بعضهم فلم تسلم من الآخرين. ويزيد في مصابك أن هنالك فئة متعلمة ترى مثلك أن هذا الوضع شاذ غير أنها لا ترغب مثلك بضرورة إصلاحه بل تسعى لتستفيد شخصياً من الوضع الراهن. وهذه هي الأنانية المجسمة باسم الوصولية ولذا فأنت قتيل وإن شئت أسير لا تعرف للحرية أثراً إلا في نفسك.
انعزال إقطاعي: نما نتيجة الظروف السياسية والمخاوف والتجاء الضعيف إلى القوي يطلب حمايته، ثم تطور مع الزمن وأخذ يستحكم بنفوذه المادي ويأبى أن يخفف من شدة