انتشار الديانات: لقد همست حواء في أذن آدم وطغته فأطاعها وهبطت به من العالم الأعلى إلى العالم الأدنى، وجنت عليه وجنت على نفسها، غير أن آدم أدرك فداحة الذنب الذي ارتكبه فاعتراه الخوف وانتقل الخوف منه إلى أبنائه من بعده. وفكرة الخوف من الخطيئة الأصلية والأمل بالعودة مرة ثانية إلى فسيح الجنان، هو الذي حدا الرجل بالابتعاد عن المرأة واضطهاده لها تكفيراً عن ذنبه. أوليست هي التي أنزلته إلى دنيا الشقاء! والذنب في حد ذاته دنس والتكفير عن الذنب لا يكون إلا بالتطهير من الدنس، وفكرة التطهير من الدنس هذه قديمة في تاريخ الإنسانية وتقتصر على الإتيان بأقوال وأفعال يلعب فيها الماء الدور الأول. والإنسان يغتسل بالماء ليتطهر من دنسه المادي، إلا أن التطهير على مر العصور اصطبغ بصبغة معنوية وإذا احتفظ الإنسان باستعمال الماء في التطهير إلى الآن فلأنه منحه معنى رمزياً. ثم اعتاد أن ينظر إلى الدنس كنتيجة لرجس معنوي كما اعتاد أن يعطي للتطهير قيمة العفو الذي يمنح للروح المذنبة.
واضطراب الفكر بالتطهير أي الرغبة بالعفو وارتفاع الإنسان نحو عالم المثل وأمله لن يتحد بالإله قد استحوذ على الأفئدة والقلوب. والفلسفة في ذاتها مجردة عن كل عاطفة وقاصرة عن سد عوز الإنسان لمثل هذه الآمال. إلا أن ديانات الشرق قد زودت الروح بما تشتهي من عزاء وأمل ورجاء وأمثال هذه العواطف. وقام الأنبياء والرسل، أطباء الإنسانية، ومن تبعهم ممن تنبأ وادعى النبوة، يحملون سراج الدين، ينيرون السبيل للناس ويبذرون لكل ريح، فكثرت الوصفات وتعددت الديانات واختلفت العبادات والطقوس.
ولقد كانت سورية مهبطاً لكثير من الديانات، إلا أن الديانات التي استقرت فيها أخيراً هي الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية. وإذا بقي السوريون محافظين على عواطفهم الدينية فذلك دليل على تمسكهم بتقاليدهم وعلى ما لهذه الديانات في نفوسهم من قيمة اجتماعية.
ومع الزمن تفرعت عن الديانتين الأساسيتين الاسلام والمسيحية عدة فرق:
فنشأ عن الإسلام: أهل السنة والشيعة والعلويون والمتاولة والدروز والإسماعيلية.