ب) الإقليم: ولم يكن الإقليم بأكثر من التضريس رحمة ولا شفقة. وذلك لأن سورية من حيث الإقليم تقع في المنطقة المعتدلة الجافة من سطح الكرة. والجفاف في إقليمها صفة بارزة تمتد موجتها من أول مايس إلى تشرين الثاني. وامتداد الجفاف فيها يمنع استثمار الأرض بصورة مستمرة ويحصر الحياة حول نقاط الماء وبمركز الفاعلية البشرية في الواحات. وفي كل ذلك انعزال.
واتساع الصحراء فيها بالنسبة إلى مناطق الماء هو الذي وسع حياة البداوة فامتدت إلى المدن وغذت في الحضري من حيث يشعر ولا يشعر النزعة العشائرية والعصبية القبلية.
ج) الموقع الجغرافي: إن وضع سورية الجغرافي في منتصف العالم القديم كنقطة تماس بين بلاد مختلفة من حيث الثروة والمدنية، جعل أهلها يلعبون دور الوسيط، وقد ولد هذا الدور معهم وأذكى فيهم حب الكسب والربح. والبحث عن الثروة كثيراً ما جعلهم يهتمون بشؤون العالم الخارجي أكثر من اهتمامهم بمحيطهم. وأعمالهم اليومية وحياتهم التجارية كانت منصرفة في هذا الاتجاه. ومن يدري؟ فالتجارة سر بين التاجر ونفسه إن باح به أضاع فرصة سانحة، أو صفقة رابحة. ولذا فهو يعمل دوماً بالمثل القائل استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان وقضاء هذه الحاجة كثيراً ما يدعو إلى الأنانية والانفراد.
إن هذه العوامل الطبيعية القاسية هي التي قسمت سورية إلى مناطق نفوذ شخصية، وبنت الحواجز بين أبنائها في وقت كانت فيه طرق المواصلات وما زالت، رغم ما عليها من سيماء التجديد، في حالٍ ابتدائية. كل ذلك حال دون اختلاط أبناء الوطن الواحد ونتج عنه تجزئة جغرافية ساعدت على تفتق الفكر الانفرادي والنعرة الإقليمية كما أخرت حثيثاً السير في طريق الوحدة السياسية.
إلا انه يجب ألا نسلم بهذه العوامل تسليما مطلقاً، فكل ما في الطبيعة نسبي. وكما تخلق الطبيعة عقبات صعبة الاجتياز، تخلق أيضاً إمكانيات تسهل الاتصال.
٢ - العوامل البشرية:
كان من الممكن تذليل هذه الصعوبات الطبيعية لولا أن العوامل البشرية التي أحاطت بسورية قد أتت تشد أزر الطبيعة فزادت المصاب ضغثاً على أبالة. هذه العوامل ألخصها بانتشار الديانات، وتعاقب الأحداث السياسية. وطغيان الفتح والغزو. وسأقتصر هنا لضيق