إن غاية التربية تهيئة الطفل للحياة في هذا العالم. وهذا العالم الذي نعيش فيه معقد التراكيب ولمعرفته وفهمه والاهتمام به والاستعداد للعمل به لا بد لكل فرد من قسط معين من معارف مختلفة النسب أذا اجتمعت ألفت مزيجاً علمياً هو ما يسمى عادة الثقافة العامة. ويدخل تحت هذا المركب كثير من ضروب العلم والأدب والفن واللغات الخ. . . ولعلنا أن تأملنا ملياً في هذه العناصر الثقافية وجدنا أن كل منها فائدة علمية في الحياة، ولكن ما هي فائدة العلمية التي نرجوها من دراسة التاريخ؟ قد تكون الإجابة على فائدة العلوم وتعلم اللغات أسهل من الإجابة على فائدة التاريخ لأن دراسة التاريخ لا تجدي نفعاً بصورة مباشرة. وإذا كان المقصود من ذلك الوصول إلى هذه النتيجة فلماذا ندرس التاريخ ونحشو أدمغة التلاميذ بحوادث هم أشد الناس غنى عن معرفتها.
غير أنه من العبث أن نتقول أن التاريخ لا يفيد شيئاً ولا لما درس في المدارس وفي جميع مراحل التحصيل. فالفائدة التي نرجوها من تعليم التاريخ في الحقيقة هي فائدة غير مباشرة.
ما هي الغاية التي نرمي إليها من تدريس التاريخ؟ أن أحرى الناس بالإجابة على السؤال هم الأساتذة نفسهم لأن إيمانهم بالفائدة التي يرجوها من تدريس التاريخ هو الذي يزيد في ارتياحهم ونشاطهم لعملهم ويعين لهم الخطة التي يجب إتباعها في تدريسهم هذه المادة.
هناك مفهومان قديم وحديث في قيم تدريس التاريخ والفائدة المرجوة منه وأقصد من هذه الفائدة، الفائدة العلمية التي نريدها في الحياة لا التي يريدها المؤرخ أذان هذا الأخير لا يرمي من بحثه سوى الكشف عن الحقيقة ومعرفتها ولذا فبحثه مجرد عن طلب الفائدة.
المفهوم القديم._الغاية التي يرمي إليها المفهوم القديم من تدريس التاريخ غاية التعليمية إذ يظن أن التاريخ يلقى علينا درساً في الأخلاق: إن التلميذ باطلاعه على حوادث العالم الغبرة يرى أن منحنى التاريخ لكل أمة من الأمم لا بد وأن يكون تارة في صعود وطوراً في هبوط. يرى فيه الغث والسمين ويرى العوامل التي أدت إلى التقدم والعوامل التي آلت إلى الانهيار فيأخذ من كل ذلك عبرة ويحتذي الحسن ويطرح السيئ ويعين له منهجاً يسلكه في حياته.
غير أن الممعن في دراسة التاريخ يرى أنه لا يعطينا عبراً نسترشد بها فالتاريخ لا يفيد