وفتحنا لهم طريق المقبرة الممهد، يتدافعون عليه عميان لا يبصرون، يجب أن تلغى هذه البدعة وأن يكون الأجر في وظائف الدولة على قدر العمل، فنحن في أشد الحاجة إلى جيش من المثقفين يستبق الطريق الذي ينتهي به إلى الأهداف العليا للحياة.
إن هذا الحرص الذي يبدو من شبابنا المتعلم على الظفر بوظيفة مضمونة يدعو أولي الأمر للتفكير بمقاومة هذه العلة والتغلب عليها. وذلك بتحويل اهتمام الشباب المثقف إلى الأعمال الحرة واللجوء إلى طرق فعالة لتحقيق هذا الغرض.
وأجدرها بالتنويه الاعتماد على الكفاءات الشخصية والمؤهلات الثقافية، وإجراء مسابقات في جميع الوظائف قبل الظفر بها، ثم الاهتمام بسياسة التعليم العملية في مدارسنا، لأن الأخذ بهذه السياسة فيها ضمان لإحياء الصناعات وازدهار الحرف واستثمار الأراضي وإنماء الثروات وإكثار الأيدي العاملة المتحررة من أغلال الوظائف الحكومية.
يخرج الشباب من المدارس والجامعات إلى العالم ليناضلوا في ميادين العمل، لا في ميادين البطالة والمقاهي. . .، وقد ملأ الأمل قلوبهم، وتحلوا بالإقدام والكفاح والابتسام للشدائد. إن الأمة لا تؤمن بالشباب القنوع بل بالشباب الطامح، الذي يقتحم شتى ميادين الحياة، ويغلب كل عوامل اليأس بشجاعته وصبره على العثرات والأشواك.
ومن الظواهر التي يؤسف لها أن برامجنا ونظمنا عاجزة كل العجز عن تنشئة جيلنا التنشئة المطلوبة، مما يدعونا للقضاء على الأفكار غير المختمرة وإهمال آراء من ليسوا من ذوي الخبرة الفنية أو الذين لم يسبق لهم الاطلاع على الشؤون التي يتفرغون لبحثها إذا شئنا التحرر من الجهل ومن آفة التهافت على الوظائف الحكومية.
فلا أغالي إذا ذكرت بأن تطبيق مناهجنا وتنفيذ نظمنا يعتورها النقص والتشويش وإنها بحاجة إلى التهذيب والتبديل بعد الاطلاع على أحدث النظم والاسترشاد بأكمل الوسائل وخلاصة مستلزمات التطور التربوي والعلمي. وإلى القارئ بعض الدلائل البينة على فساد الخطط والمناهج: أننا نهمل دروس الرسم والأشغال اليدوية في مدارسنا، مع أنها تنمي في مزاوليها فضيلة الاعتماد على النفس والنزوع إلى المثابرة على العمل، وتنبه ما كمن في نفوس التلاميذ، من الميل الفطري إلى مزاولة فرع من فروع العمل متى شبوا وغادروا المدارس وتصيرهم رجالاً أكبر نفعاً وأوسع خبرة بشؤون الحياة ممن لم يمارسوا هذه المواد