ذلك أنه في هذه التطورات منها ما هو بطيء ومنها ما هو سريع ومنها ما هو سطحي ومنها ما هو عميق أنه يستطيع بعد ذلك أن يحلل الحاضر الذي يعيش فيه ويعرفه إلى أي حد هو مثقل بأعباء الماضي. ولعل ما يسترعي انتباه التلميذ في البادئ الحوادث والتغيرات المفاجئة والفتوحات والثورات والانقلابات غير أن الأستاذ يبين له أن هناك تطورات تدريجية أقل ظهور وربما كان لها أثر فعال أكثر من غيرها.
إن محصلة هذه الدراسة تترك في فكر التلميذ أن الجماعات البشرية في تطور دائم
مستمر إذا ليس هنالك هيئة اجتماعية ثابتة كطبيعة لا تتغير: فالقوانين والأنظمة والأوضاع وأشكال الحكم ليست سوى تسويات واتفاقات يمكن أن تتحول تحت ظروف وشروط خاصة. وكذا يرى أن بين التقاليد والعادات منها ما يتغير ببطء وصعوبة ومنها ما يتغير بسرعة وسهولة فإذا ما ساهم في العمل ضمن الهيئة الاجتماعية وهو راشد، عرف ما يؤمل تغييره بسرعة وما تمكن إزالته إلا مع الصبر وطول الأناة. ولذ تكسبه هذه المعرفة سقا بعمله وتفاؤلاً بنجاحه.
وكذا يعلم من دراسة التاريخ أن النظام السائد عند الشعب من الشعوب، إن ما وضعه أُناس قد ماتوا، ون هذا التراث الذي خلفه الأموات وتخضع له الأحياء وقد أعتمد في بنائه على شروط الحياة في عصر مضى وإنه ليس من الضروري أن يتبقى الشروط نفسها في الوقت الحاضر إذ أن منها مادية وما زالت باقية وليس في الوسع تغييرها ومنها ما هم مجرد أوهام وعادات ومصالح ومطامع وامتيازات من الممكن تبديلها ولهذا فهو يعرف مناهج التي الذي أتبعها حصل على تغيرات فعلية ويعلم أيضاً أن التغيير العقلية لا يحدث سواء وفجأة عند السواد الأعظم من أبناء الأمة، أن فكرت الإصلاح والتجديد لا تحدث ألا عند فئة مختارة يطلق عليها اسم مجددين ومصلحين، ولأن كل فكرة من هذا النوع لا بد وأن تلقى عناصر مقاومة وعناصر تحبيذ، وأنه هؤلاء المصلحين أن تركوا وحدهم كانوا غير قادرين على دفع الآخرين إلى تبني فكرتهم ولذا لا بد من نجاح الإصلاح من تهيئة وتخمير ودعاة ووسطاء.
وهو بمعرفته هذه يستطيع أن ينفي عن فكرة الوقود في الأخطاء الناجم عن الاعتقاد بالتقدم العفوي للكتل البشري وبعبادة الأصنام التي اعتاد الناس أن يقدسوا ويسموها أبطالاً. وكذا