وفي السنين الأخيرة من القرن الثالث عشر بدأت سورية تأخذ ملامحها التي ما زالت تحتفظ بكثيرٍ من قسماتها حتى اليوم.
ومنذ فاتحة القرن السادس عشر أي منذ واقعة مرج دابق (١٥١٦م) فتح الأتراك العثمانيّون سورية ودام حمهم إلى القرن العشرين. وفي غضون ذلك قُسِّمت سورية إلى ولاياتٍ منفصلةٍ يقوم على كلٍّ منها باشا وهو الوالي.
كان هَمُّ هؤلاء الباشاوات إملاء جيوبهم بالمال حتى أنّ الرشوة وفساد الأخلاق أصبحا في عهدهم قاعدةً يجري عليها من أكبر رأسٍ إلى أصغره في الإدارة. أما رائد سياستهم فتلك الحكمة القائلة فرّق تسد كما كانوا بإهمالهم شؤون الرعية يفسحون المجال إلى التّقاتل والتناحر إذ لم ينصفوا المظلوم ولم يأخذوا لصاحب الحقِّ حقّه. وهذا ما كان يدعو صاحب الحقِّ للاعتماد على قواه الخاصّة في تحصيل الحقِّ من غريمه وعمَّ الاضطراب وسادت الفوضى.
وزاد الطب بلاءً أنّ التوسّع الأوروبّي في غضون القرن التاسع عشر أخذ يتجلّى بأشكاله المختلفة من مالي واقتصادي واستعماري. وروحي ويتمشّى في جسم الإمبراطورية العثمانية (ذلك الرّجل المريض) ويتّخذ من وسيلة للحماية والتدخّل.
واتضحت هذه السياسة للعيان عندما كانت روسيا تريد وضع يدها على المضايق لتجد لها منفذاً إلى البحر المتوسط. حتى أنها لم تأل جهداً ولم تترك واسطة إلا استعملتها سواء بالسلاح أو بالدبلوماسية مدّعيةً أنها الحامي الطبيعي للروم الأرثوذكس في الشرق ومستندة على نصوص معاهدة (كوجوك قينارجي)(١٧٧٤) التي تخوّلها ذلك.
ولم تكن فرنسا بأقلّ منها طمعاً بهذه البلاد وكثيرا ما كانت كروسيا تعتمد على نصوص الامتيازات التي خوّلها إيّاها السّلاطين الأتراك منذ سليمان القانوني وفرنسوا الأول أي منذ العام (١٥٣٦).
وخوف إنكلترا على طريق الهند هو الذي حدا بها أن تسدّ الطريق على بونابرت وتقف في سبيل محمد علي باعث النهضة العربية. ولتعدّل كفّة الحماية الدينية من روسيّةٍ وفرنسيّةٍ تظاهرت وزعمت أنّها تحمي الدروز.