حدث عن هذه المصالح المتضاربة فتنٌ ومذابحٌ تلوّنت بلون الدين ولم تكن في الحقيقة سوى مظهراً من مظاهر البحث عن الزّبائن، وضعف الأتراك وقلّة تدبير الولاة. ولئن صرّحت المحافل الروسية والإنكليزية والفرنسية أنها لم تكن لتهتمّ بقضايا الشرق إلا لإقامة العدل ورفع مستوى المسيحيين من أبنائه فلم يكن لك
إلا نقاباً يغطّي وجه الاستعمار الشّنيع.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ودخلت سورية تحت نير الانتداب، اتّبع الفرنسيّون سياسة الأتراك وبزّوا سياسة أساتذتهم بمراحل واتّبعوا في ذلك خططاً مرسومةً وقواعد محكمةً. ولم يتركوا كتلةً من الكتل الشعبية أو نزعةً انفصالية أو نعرةً إقليميةً وطائفيّةً وعائليةً إلا وشجّعوها ونمّوها وسخّروا لكلّ ذلك قواهم الفكرية والروحيّة والعسكرية. ولولا أنّ هذه المحاولات كان يعدّل من وطأتها يقظة العاطفة القوميّة وأنفة العزّة العربية وتقدّم الثقافة والإيمان بمستقبل البلاد لكنّا في عهدهم في حال انحطاطٍ أنقص وأشدّ وقعاً من عهد الأتراك.
ويرافق هذه الظروف الدينية والسياسية كثرة الغزوات الخارجية والداخليّة فمنذ أن تفكّكت أوصال الأمّة العربية أي منذ أن انهارت الدولة العباسية وقعت البلاد في عهد فوضى وعدم استقرار وكانت مسرحاً لغزو التتر والمغول على موجاتٍ متقطّعة إلا أنّ هذه الغزوات كانت في مدّها كوارث عظيمةً.
ويضاعف هذا الغزو الأصغر غزو البادية، لأنّ حياة السوريّ الحضريّ جانب البدويّ كثيراً ما كانت مهدّدةً بعدوان القبائل من أبناء السّهوب المجاورة وفتيان الصحراء. ويعظم هذا الغزو كلّما لمس البدو ضعفاً في سلطة الحاكم وقلّت رقابة الجنود الموكل إليها حفظ الأمن ويندفعون نحو القرى والمدن يعملون فيها والنّهب والسّلب والتخريب، وإلى الطرق يقطعون فيها المواصلات ويشلّحون القوافل وتدوم الأزمة هكذا حتى يتاح للبلاد سلطةٌ قويّةٌ تعمل بحزمٍ وتعيد المياه غلى مجاريها.
وعن هذا العدوان ينشأ الخوف والفزع واضطرابٌ جعل الأمن واعتمادٍ جعل واعتمادٍ الإنسان على قواه الفرديّة في الدفاع عن نفسه فإمّا أن يقوم فيقطع الطريق ويطلق العنان للطمع النّفسيّ والجشع الخلقي وإمّا أن ينزوي في كسر بيته أو يعتصم بالجبال. وفي كلّ