سنةً إلى التاسعة عشرة إلى أول تعبيرٍ عن نفسه، ويتحدّد سلوكه ويأخذ تفكيره شكلاً شخصيّاً، ولا يظهر كأنّه مجهولٌ من محيطه، إذ ينبثق بواسطة الأزمة كلّ ما هو خاصٌّ به وفرديّ، وتتكوّن طباعه، وتهدأ نفسه، ويرجع إليه التّوازن والطمأنينة، ويشعر الفتيان والفتيات في هذه السّنّ بهناءةٍ نفسيّةٍ، ويتذوّقون لأوّل مرّةٍ جمال الحياة الهادئة، فهو تفاهمٌ بين الفرد - والمحيط.
يحتفظ الفتى بعد أن يجتاز مرحلة الأزمة بحيويّته التي تقود إلى مجابهة المحيط بشجاعةٍ وإقدام، ويمكننا بعد ملاحظة الحالات المختلفة للأزمة أن نقبل بالنتائج الآتية:
إنّ المراهقين الذين مرّت بهم اضطراباتٌ عنيفةٌ من جرّاء الأزمة بعيدون عن أن يصبحوا، وهم راشدون، أصحاب إرادةٍ قوية، بل يكون منهم الشّاعر، والفنّان، والمفكّر والعامّي. إنّ الأزمة التي درسناها تدلّ على حساسية حادّة وذكاء متّقد، غير أنّها لا تكوّن الطّبائع القوية، والعكس فإنّ المراهقين الذين يكبتون اندفاعاتهم يظهرون ميلاً إلى العمل والنّجاح فيه، وهذه علامات رجال العمل الذين لا يعرفون هذه الأزمة، والذين ينظرون إليها كحاجزٍ يمنعهم من النجاح يجب أن لا تحتلّ محلّها من نفسيّاتهم. وإنّ للكاتب والفيلسوف بصورةٍ خاصّة مراهقة ثورويّة، إذ تتكوّن الهبة وتقوى مع اضطرابات الشعور المتكررة.
يقول سيترين عن عالمٍ آخر: بأنّه قرر مصيره في الرابعة عشرة من عمره يريد أن يكون لغويّاً وكان له ذلك. ويقول عن نفسه أنّه في التاسعة عشرة من عمره اختار الفلسفة التي ستكون له راحةً أو على العكس خراباً ودماراً.
ولاشكّ بأنّ المهنة والعائلة والعلاقات الاجتماعية تكسب الإنسان في سنّ الرّشد عناصر جديدة، غير أنّها في الحقيقة ظاهريّة والتأثير الكلي والدائم لا يكون إلا بالعناصر الناشئة عن الأزمة في المراهقة.
. . . . . .
ويمكننا الآن بع دراسة الأزمة وملاحظة العلائق بينها وبين تكوّن الشخصية أن نحدد النتيجة التي وصلنا إليها: إنّ جوهر الأزمة هو اضطرابٌ وقتيٌّ، غير أنّه قوي وعنيف، ينشأ مع ظهور الوظائف الجنسية التي توجّه انتباه المراهق إلى جسمه ويزيد هذا الإضراب عوامل اجتماعية تجعله كثير الانتباه أيضاً إلى المجتمع.