للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بروز الشّخصيّة

الشّخصية هي كلّ ما له علاقة بالمرء الشّاعر، المفكّر، المتحرّك، فهي الأنا وهي الإنسان بكامله. وأوّل مرحلةٍ لدى المراهق هي ميلٌ نحو الإنفراد، إذ يعتبر شخصه محور الكون، وحقيقةٌ نفسيّةٌ تنبعث منه القوى الخالدة وتتجه نحوه أنظار البشرية. غير أنّه يتأثّر بالمحيط شاء أم أبى وينطبع بطابعه.

أمّا المرحلة الثّانية فهي: انبثاق الشخصية الحقّة، التي تنتهي بالمراهق إلى الهدوء والسّكينة وانحلال الأزمة.

والخلاصة فإنّ الشخصية تتكوّن بعد أن يشدّ الفى بالأنا، وبعد أن يحتكّ مع المحيط. ويتعرّف إلى الأفكار العامّة عن الحياة، وعن الإنسان وعن مصيره. ليست شخصيّة المراهق إذاً مجرّد مفهومٍ، إنّما هي حقيقةٌ راهنةٌ لها وحدتها ولها خصائصها، رغم بعض العناصر التي تقرّبها من شخصيّة الرّاشد. ويجب ألا ننظر إليها إلا بالنّسبة إلى تركيبها النفسي وكونها خاصة بالشّباب. ولننظر إليها أيضاً كمرحلة نموٍّ تظهر فيها الأنا العاقلة، ثمّ تنتظم الهيجانات والمفاهيم والحركات العاديّة، وتشكّل وحدةً تكاد تكون تامّةً.

علاقة نشوء شخصية المراهق بتكوّن الشّخصية عند الطّفل: إذا كانت الأزمة عاصفةً هوجاء ومصدر كلّ اضطراب، وفترة تتكوّن في نهايتها شخصية المراهق، يجب أن لا نظنّ بأنّها أوّل وآخر مرحلة في نمو هذه الشخصية، ولابدّ لنا من القول: إنّ الشعور بالشّخصية عند الطّفل يكون أول مرحلةٍ، وتعقبها المرحلة الثّانية وهي بروز شخصية المراهق. تجتاح الطفل في الثالثة من عمره أزمة يشعر معها بانفصاله عن الأشياء التي تحيط به. وهي الحركة الأولى في فرض نفسه، وتكون مقدّماً للشعور بالشخصية.

علاقة شخصية المراهق بشخصية الراشد

إنّ المراهق يعتمد في سلوكه وتفكيره على تجربته النّاقصة وعلى عاطفته أكثر مما يعتمد على الحقائق الموضوعيّة البعيدة عن كلّ تعليلٍ شخصيٍّ. على عكس الراشد الذي ينظر للأمور برصانةٍ وحيادٍ، ويعمل فيها الفكر والذّكاء مبتعداً عن كلّ عاطفةٍ وهوىً.

تساعد الأزمة إذاً في تكوين الشخصية التي تختلف بصورةٍ جوهريّةٍ عن الشعور بالذّات الذي نصادفه عد الطفل، وعن شخصيّة الراشد. يتوصّل المراهق في سنّ الثامنة عشرة

<<  <  ج: ص:  >  >>