الناس. غير أن شعب القرية بأسره يتهامس قصة الدركي الذي خانت امرأته العهد، وقطعت العفاف بالغدر. فليس الدركي أن يبقى في القرية حيث لا يحترمه الشعب، فلذلك يغادرها هائماً على وجهه، سالكاً الطريق التي لا تعرف نهايتها، طريق السعادة.
وكان على الطريق ظل خبيث، فارغ، غامض، كثيف، مخروطي، يتقدم ببطء وتأرجح. انه ظل النائب (جورج) الذي ارتدى أفخر ما لديه من ثياب، ووضع عويناته العريضة، فوق عينيه الصغيرتين، ونظم ذقنه الكثيفة، السمجة، ومشى يبحث عن السعادة في الطريق التي لا تعرف نهايتها. وكان لسانه صامتاً. غير أنه يقول: إن مهنة النائب أصبحت لا تطاق. عليه أن يكذب دوماً، مثل المحامين، وعلى سامعه أن يصدق دوماً، كما يصدق المريض الطبيب. غير ان ذكاء النائب، إن كان ذكياً، يأبى عليه المثابرة في الغش والخداع، ويحمله على الفرار من منطقته الانتخابية وإلا كان الفقر نصيبه بعد حين، إذا تجلى الموقف، وأبصر الناس، وعندها تذهب الدعوات والتكارم والبذخ عبثاً، وفوق ذلك، إنه سيصاب بتصلب الشرايين، لما يقضي من ساعات ودهور في الوقوف خطيباً، أو معارضاً، أو متزعماً!.
إن هذه المهنة قد انحطت، مثل سائر المهن السحرية، لقد كان النائب ينمق الخطب، ويتحدث عن الحرية والمساواة والاستقلال. كما كان رجال القرون الوسطى يتحدثون عن الكبريت الأحمر، أو الحجر النادر، الذي يقلب الحديد ذهباً، والظلام إلى نور، وكان المجال رحباً، وكانت الصور زاهية وضاءة، أما اليوم، وقد قيدت الحرية في العالم، وأصبحت تمشي على أربع، مثل حريات الأمم المتحدة، فهي حريات مضحكة، طليقة مقيدة، يضحك منها حق الاعتراض، أي حق النفع الشخصي في مجلس الأمن. . . وأظنه مجلس الخوف، خوف أعضائه فيما بينهم، وخوف الناس منهم، وعلى النائب أن يتحدث، رغم ذلك، عن العدالة والسلام، على مسمع القنابل الذرية، وضوء تجارب بيكيني، وأنشودة مؤتمر لندن ونيويورك وباريز. . كلا، إن مهنة النائب أصبحت لا تطاق، فليس فيها كرامة الجسد والنفع، وليس على النائب (جورج) إلا أن يعنى بالزراعة والتجارة ومعاطاة الصناعة والاقتصاد والسيارات. . . فهذه سبيل السعادة، سعادة النائب الذكي، المعاصرة الحديث. . .